والأبرار: جمع برّ أو بارّ، كرَب وأرْباب، وصاحِب وأصحاب (عَلى رُسُلِكَ): "على" هذه صلةٌ للوعد، كما في قولِك: وعدَ اللَّهُ الجنَّة على الطاعة. والمعنى: ما وعدتَنا على تصديقِ رُسلِك. ألا تراه كيفَ أُتْبِعَ ذِكْرَ المنادي للإيمانِ وهو الرسول وقوله:(ءَامَنَّا) وهو التصديق. ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف، أي: ما وعدتنا مُنزَلًا على رسلِك، أو مَحْمولًا على رَسُلِك؛ لأن الرسل مُحَملون ذلك؛ (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ)[النور: ٥٤] وقيل: على ألسنة رسلك. والموعود هو الثواب. وقيل: النُّصرة على الأعداء. فإن قلتَ: كيفَ دَعَوُا اللَّه بإنجاز ما وعد واللَّه لا يخلف الميعاد؟ قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد، وهو بابٌ من اللجأ إلى اللَّه والخضوع له، كما كان الأنبياء عليهم السلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك التذلل لربهم والتضرع إليه، واللجأ الذي هو سيما العبودية.
وذلك أن التوفي مع الأبرار محال، لأن بعضاً منهم تقدم وبعضاً لم يوجد، فالمراد: الانخراط في سلكهم على سبيل الكناية، فإنه إذا كان منخرطاً في سلكهم لا يكون مع غيرهم.
قوله:(ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادي للإيمان؟ ) يعني: الدليل على أن "على" صلة الوعد والمضاف المقدر التصديق: أنه تعالى لما قال: (مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ) والمراد بالمنادي: الرسول وبالإيمان: التصديق لتعديته بالباء، أتبعه قوله:(مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ)، كأنه قيل: إنا سمعنا رسولاً يدعو الناس إلى التصديق فصدقناه، فإذا كان كذلك فآتنا ما وعدتنا من الأجر على ذلك التصديق.