قال الزجاج: وهو بمنزلة قولك: إني أمر على الرجل مثلك فأكرمه، هذا المثال أظهر؛ لأن الأول يحتمل الحال.
وأجيب أنه لا يحتملها؛ لأن القائل يمدح نفسه ويصف أناته وتؤدته، وأن الحلم دأبه وعادته، لا أنه مر على لئيم معين مرة، وأنه احتمل مساءته ومسبته.
وعن بعضهم: لا يحتملها لئلا تكون مقيدة؛ لأن الجملة وهي "يسبني" إذا كانت حالاً تكون مقيدة بخلاف الصفة.
وقلت: دل عطف "فمضيت" و"قلت"- وهما ماضيان- على "أمر" وهو مضارع على إرادة الاستمرار المورث للعادة كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ)[فاطر: ٢٩]، وعلى أن المسبة والتغافل إنما يحدثان منه عند مروره عليه.
فإن قلت: جعلت هذا الوجه- أي: عدم التعيين في الصفة والموصوف- أقوى الوجوه وقد روى الترمذي عن عدي بن حاتم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المغضوب عليهم اليهود والضالون هم النصارى".
قلت: قاله صلوات الله عليه وسلم تعريضاً بعدي؛ يدل عليه: ما روينا عن الترمذي أيضاً عن عدي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت جئت بغير أمان ولا كتاب، فلما دفعت إليه أخذ بيدي ثم ساق الحديث إلى قوله: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لي: "يا عدي، ما يفرك من الإسلام أن تقول: "لا إله إلا الله" فهل تعلم من إله سوى الله؟ قلت: لا، ثم قال: أتفر من أن يقال: الله أكبر، فهل تعلم شيئاً أكبر من الله؟ قلت: لا. قال: اليهود مغضوب