اعلم أن من أعظم المسائل التي قال فيها الظاهرية بتناقض أقيسة الأئمة، وتكذيب بعضها لبعض، وأن ذلك يدل على بطلان كل قياس من أقيستهم، هي مسألة الربا التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد؛ فمن زاد أو استزاد فقد أربى".
قال الظاهرية: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حرم الربا في الستة المذكورة؛ فتحريمه في شيء غيرها قول على الله وعلى رسوله، وتشريع زائد على ما شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: والذين زادوا على النص أشياء يحرم فيها الربا اختلفت أقوالهم، وتناقضت أقيستهم. فبعضهم يقول: هي الطُّعْم (١) . وبعضهم يقول: هي الكيل. وبعضهم يقول: هي الاقتيات والادخار إلخ.
فهذه أقيسة متضاربة متناقضة فليست من عند الله، وإذا تأملت في هذه المسألة التي سخروا بسببها من الأئمة، وادعوا عليهم أنهم حرموا الربا في أشياء لا دليل على تحريمه فيها كالتفاح عند من يقول: العلة الطعم كالشافعي، وكالأشنان عند من يقول: العلة الكيل؛ علمت أن الأئمة أقرب إلى العمل بالنص في ذلك من الظاهرية المدعين الوقوف مع ظاهر النص. أما الشافعي الذي قال: العلة في تحريم الربا الطعم فقد استدل لذلك بما رواه مسلم في صحيحه: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبد الله بن وهب،
(١) كان في المطبوعة: "يقول: التمر والبلوط ثمر شجر يؤكل ويدبغ بقشره"! وهذا كلام مقحم.