بالتحريم والتأثيم. ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله. كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله؛ ولا دين إلا ما شرعه الله، فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر. والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم. والفرق بينهما: أن الله سبحانه لا يُعْبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله؛ فإن العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه. وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين: وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما لم يشرعه، وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفوًا لا يجوز الحكم بتحريمه وإبطاله؛ فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو عفو. فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها، فإنه لا يجوز القول بتحريمها؛ فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال؛ فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيماعدا ما حرمه! وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود والعهود كلها فقال:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}، وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقال:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}، وقال تعالى:{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)}، وقال: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦)}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)} وهذا كثير في القرآن.