ويمكن القول بأن المشروع الصهيوني هو النموذج المثالي الصهيوني (ما ينبغي أن يكون) . وتتبدى من خلال هذا المشروع كل سمات الشذوذ البنيوي التي اتضحت فيما بعد من خلال الأداء الصهيوني. فالمشروع يتحقَّق في الزمان والمكان، الأمر الذي يعني أن التناقُض بين ما ينبغي أن يكون وما يتحقَّق بالفعل يأخذ في الظهور. ومع هذا يردد كثير من العرب أن المشروع الصهيوني خطة محكمة آخذة في التحقُّق بحذافيرها، وأن هرتزل على سبيل المثال تنبأ بأن الدولة الصهيونية ستُقام بعد خمسين عاماً وأن نبوءته قد تحققت بالفعل. وما يغفل عنه الكثيرون أن عدد النبؤات الصهيونية الذي لم يتحقق يفوق كثيراً عدد ما تحقَّق. فقد تنبأ هرتزل عام ١٩٠٤ أن ألمانيا هي التي ستأخذ الدولة الصهيونية تحت جناحيها، أي قبل أن تأخذ الدولة النازية أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا تحت جناحيها (على طريقتها الجهنمية الخاصة) بثلاثين عاماً. وقد تنبأ بن جوريون بأنه بعد إنشاء الدولة بسنتين أو ثلاثة ستستسلم كل الدول العربية وستوقِّع معاهدات سلام مع الدولة الصهيونية وأن الفلسطينيين العرب سيتركون أراضيهم بحثاً عن الثروة في بقية العالم العربي.
ولكن الأهم من هذا كله هو التناقضات العميقة التي ظهرت والتي زادت من الشذوذ البنيوي للكيان الصهيوني. فقد خطط الصهاينة على سبيل المثال لتأسيس دولة يهودية خالصة كان من المفروض أن يهرع لها كل يهود العالم أو غالبيتهم، وكان المفروض أن تكون هذه الدولة دولة مستقلة تعتمد على نفسها وتشفي اليهود من طفيليتهم. وغني عن القول أن شيئاً من هذا لم يحدث وأن أعضاء الجماعات اليهودية لا يزالوا في أوطانهم الأصلية الحقيقية، فهم ليسوا شعباً بلا أرض، يتساءلون عن يهودية الدولة اليهودية، والأسوأ من هذا أن العرب لا يزالون يقاومون هذا الكيان الصهيوني ومشروعه فيفتحونه ويكشفون شذوذه البنيوي ويؤكدون أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب.