للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشعر ويتمان مفعم بهذه "الرغبة في العودة"، الحرفية والمادية والدائمة، إلى الطبيعة. وكثير من قصائد ويتمان تبدأ بالابتعاد التدريجي عن الحضارة والاقتراب المتزايد من الطبيعة إلى أن يلتحم بها تماماً، ويصل إلى اللحظة النماذجية، لحظة ذوبان الذات الإنسانية في الطبيعة المادية، وهي عادة ما تكون لحظة قذف جنسية (مع محب من جنسه) يُعلن فيها تحرُّره من عبء التاريخ ومن التدافع ومن الحضارة والهوية، فهي لحظة نهاية التاريخ وتحقُّق الفردوس الأرضي.

ثم استخدَمتُ مصطلح «نهاية التاريخ» بشكل أكثر شمولاً في كتابي نهاية التاريخ (عام ١٩٧٢) ، لوصف النماذج الحلولية الواحدية المادية الشاملة التي تترجم نفسها في عالم السياسة إلى نظم طوباوية شمولية فاشية. وبيَّنت أن مثل هذه النماذج تحوي داخلها دائماً " قابلية لإعلان نهاية التاريخ، فما هو مجهول ليس بغيب وإنما هو أمر غير معروف بشكل مؤقت. إذ من المتوقع أن يكتشف الإنسان بالتدريج قوانين الحركة خلال عشرات السنين من المحاولة والخطأ، وستنكمش رقعة المجهول تدريجياً وتتسع رقعة المعلوم، وسينحسر الجهل بالتدريج مع تزايد الترشيد والاستنارة إلى أن نصل في التحليل الأخير وفي نهاية الأمر والتاريخ " إلى نقطة التوهج الأخيرة والرشد الكامل بحيث يصبح كل شيء واضحاً، وتوضع الحلول النهائية لجميع المشاكل ويتم التحكم في كل شيء، ويتم تفسير كل شيء في ضوء القانون العام فتُمحَى الثنائيات والمطلقات ويختفي الإنسان. ومن ثم، فإن نقطة التوهج هي في الواقع نقطة الاحتراق، وهي أيضاً نقطة نهاية التاريخ ونهاية الإنسان باعتباره كائناً مركباً متعدد الأبعاد لا يمكن رده إلى الطبيعة/المادة، وهي أيضاً النقطة التي سيظهر فيها إنسان جديد رشيد يعيش حسب قوانين الطبيعة المادية العلمية، ومن ثم فهو خاضع للتحكم العلمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>