١٩ ـ والنظام العالمي الجديد هو تعبير عن تَصوُّر العالم الغربي أن إبستمولوجيا الترانسفير والمرجعية المادية قد هيمنت تماماً على العالم بأسره، وأنها قد غزت البلاد والشعوب والعقول كافة (أو على الأقل عقول النخب الحاكمة) وأن الجميع على استعداد لأن يغير قيمه بعد إشعار قصير، وعلى استعداد لاستبعاد القيم الأخلاقية مثل الكرامة والتمسك بأرض الأجداد والدفاع عن المطلقات. فمثل هذه القيم تجعل نقل الأنماط الاستهلاكية، وانتقال رأس المال (في شكل الشركات متعددة الجنسيات) ، وتنفيذ توصيات البنك الدولي، أمراً صعباً. ويتوهم الغرب أننا قد وصلنا لهذه المرحلة التي تُستبعد فيها القيم الثابتة بسهولة ليتبنى المرء أية قيم أخرى. وقد جاء شمعون بيريس، حينما كان يشغل منصب وزير خارجية إسرائيل، إلى القاهرة وجلس مع بعض المثقفين المصريين وأخبرهم بأن المسألة كلها تجارة في تجارة، فالجميع يدورفي إطار المرجعية المادية. فالديموقراطية تجارة، والأوطان بوتيكات وفنادق، والإنسان وحدة اقتصادية يمكن نقلها (ترانسفير) . وكما قال أحد المثقفين المصريين "كل الدول تود أن تكون سنغافورة"، وهي بلد لا تشتهر بهويتها أو قيمها أو إسهاماتها الحضارية، وإنما بالسوبرماركتات والمقدرة المذهلة على البيع والشراء، أي أنه بلد يدور تماماً في إطار المرجعية المادية.