للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تواجه الصهيونية، كفكرة وحركة ومنظمة ودولة، أزمة عميقة لعدة أسباب من بينها انصراف يهود العالم عنها. فالصهيونية لا تعني لهم الكثير، فهم يفضلون إما الاندماج في مجتمعاتهم أو الهجرة إلى الولايات المتحدة، وقد تدهورت صورة المُستوطَن الصهيوني إعلامياً بعد الانتفاضة إذ أن هذه الدولة الشرسة أصبحت تسبب لهم الحرج الشديد. وقد أدَّى هذا إلى أن المادة البشرية المُستهدَفة ترفض الهجرة، الأمر الذي يسبب مشكلة سكانية استيطانية للمُستوطَن الصهيوني. ويُلاحَظ تزايد حركات رفض الصهيونية والتملص منها وعدم الاكتراث بها بين يهود العالم.

وعلى المستوى الأيديولوجي، يُلاحَظ، في عصر نهاية الأيديولوجيا وما بعد الحداثة، أن كل النظريات تتقلص ويختفي المركز، والشيء نفسه يسري على الصهيونية إذ أن إيمان يهود العالم بها قد تقلَّص تماماً، ولذا فإن من يهاجر إلى إسرائيل إنما يفعل ذلك لأسباب نفعية مادية مباشرة. وفي داخل إسرائيل، تظهر أجيال جديدة تنظر إلى الصهيونية بكثير من السخرية. وعلى المستوى التنظيمي، تفقد المنظمة كثيراً من حيويتها وتصبح أداة في يد الدولة الصهيونية، وتُقابَل اجتماعاتها بالازدراء من قبَل يهود العالم والمستوطنين في فلسطين. ولم تغيِّر اتفاقية أوسلو من الأمر كثيراً، بل لعلها تُسرع بتفاقم أزمة الصهيونية، باعتبار أن الدولة ستصبح أكثر ثباتاً واستقراراً وستتحدد هويتها كدولة لها مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية المتشعبة التي ليس لها بالضرورة علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية في العالم.

وهذه المرحلة شهدت تحول الفكرة الصهيونية، الاستيطانية الإحلالية، إلى واقع إستيطانى إحلالى، إذ نجحت الدولة الصهيونية فى طرد معظم العرب من فلسطين واستبعاد من تبقى منهم. وأصبحت الدولة الصهيونية هى الدولة/ الشتتل أو الدولة/ الجيتو، المرفوضة من السكان الأصليين، أصحاب الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>