للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد إعلان وعد بلفور، وبعد اكتساب المنظمات الصهيونية الشرعية الاستعمارية التي كانت تسعى اليها، تغيَّرت الصورة تماماً، فلم تَعُد القضية قضية بعض قيادات الفائض اليهودي من شرق أوربا، ولم تَعُد المسألة متصلة بإغاثة بضعة آلاف من اليهود، وإنما أصبحت المنظمة تابعة لأكبر قوة استعمارية على وجه الأرض آنذاك، وأصبحت ذات وظيفة محددة هي نَقْل المادة البشرية اليهودية إلى فلسطين لتأسيس قاعدة لهذه القوة. ولذا فلم يَعُد هناك مجال للاختلافات الصغيرة بين دعاة الاستيطان العمليين مقابل دعاة بذل الجهود الدبلوماسية مع الدولة الراعية. كما لم يَعُد هناك أي مبرر لوجود دعاة الصهيونية الإقليمية (أي توطين اليهود خارج فلسطين) ، وتساقطت بالتالي كثير من التقسيمات الفرعية أو أصبحت غير ذات موضوع، وتم تقسيم العمل على أساس جديد يقبله الجميع، وظهر ما يمكن تسميته «الصهيونية التوفيقية» . كما أن الرفض اليهودي للصهيونية فقد دعامته الأساسية: الخوف من ازدواج الولاء إذ أصبح تأييد الصهيونية أمراً لا يتناقض مع ولاء الإنسان الغربي لوطنه وحضارته.

ثالثاً: الاستيطان في فلسطين.

تاريخ الحركة الصهيونية بعد ذلك هو تاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين تحت رعاية حكومة الانتداب ومقاومة العرب لهذا الاستيطان. وقد ظهرت بعض التوترات بين القوة الاستعمارية الراعية والمستوطنين (وهو توتر يسم علاقة أية دولة راعية بالمستوطنين التابعين لها، وهو لا يعود إلى تناقض المصالح وإنما إلى اختلاف نطاقها، فمصالح الدولة الراعية أكثر اتساعاً وعالمية من مصالح المستوطنين) . ولذا، فقد أصدرت الحكومة البريطانية الراعية مجموعة من الكتب البيضاء لتوضِّح موقفها من المستوطنين الصهاينة ومن العرب. وقد انتقل دور الدولة الراعية من إنجلترا إلى الولايات المتحدة. ولكن كل هذه العناصر لا تغيِّر بنية الفكر الصهيوني ولا اتجاه الحركة ولا تؤثر في المنظمة الصهيونية.

<<  <  ج: ص:  >  >>