ويُلاحَظ أن صياغة هذا الوعد تميل نحو الإبهام الشديد، فهو يؤكد حق اليهود المندمجين في الاستمرار في اندماجهم، وهو يميِّز بينهم وبين الصهاينة الذين لهم أمان في فلسطين حيث سيسمح لهم "باستقرار يهودي مزدهر في فلسطين"، وهي عبارة غامضة حاول الوعد تحديدها عن طريق عبارة "قيام حكم ذاتي"، ثم عاد وعدَّلها من خلال إضافة عبارة "يتفق وقوانين البلاد والتطور الحر لحضارتها". ولنلاحظ أن فكرة "قوانين البلاد" تحل محل عبارة "القانون العام" أو "القانون الدولي" التي ترد في الأدبيات الصهيونية، خصوصاً في صياغتها الهرتزلية، وهي عبارة تعني "حسب القانون الغربي أو الاستعماري". فكأن الوعد هنا ينزع المشروع الصهيوني من سياقه الغربي ويضعه في سياق عثماني، الأمر الذي يعني فقدانه كل معنى، فالمستوطنون الصهاينة كان معروضاً عليهم دائماً أن يحصلوا على المواطنة العثمانية ويستقروا في فلسطين كعثمانيين لا كعنصر استيطاني تابع لدولة غربية. والقضية لم تكن قضية عدة آلاف يهودي لا وطن لهم، أو مضطَّهدين في أوطانهم ويبحثون عن مأوى لهم، وإنما هي قضية غَرْس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات تَوجُّه غربي استعماري استيطاني رفض هذا الحل.