ويمكن أن نتناول هذه العملية بشيء من التفصيل ولنبدأ بترشيد المجتمع الإنساني في الإطار المادي. يمكن القول بأن الترشيد المجرد من القيمة هو في واقع الأمر إعادة صياغة للمجتمع ككل عن طريق تفكيكه واستبعاد سائر العناصر المركبة التي تستعصي على القياس (العناصر الإنسانية أو الربانية) التي يتركب منها، وإعادة تركيبه على هدي المعايير العقلية والعلمية الواحدية المادية، ومن ثم يتوافق هذا الواقع الاجتماعي مع القوانين العلمية الواحدية الصارمة ويخضع للاختبارت والإجراءات الكمية وللقياس، فهو يمحو سائر الثنائيات الفضفاضة (التي تفترض وجود أكثر من جوهر وأكثر من قانون) ويستبعد كل الخصوصيات والمنحنيات الخاصة للظاهرة (التي تتحدى القانون العام) ويرفض كل المطلقات (التي تشكل تجاوزاً للقانون المادي الواحد العام وخرقاً له وتشكل عدم استمرار في الكون) وينكر كل المعايير الأخلاقية الثابتة (فهي خارجة عن الظاهرة المادية موضع الدراسة) ويتعامل مع المحدود ومع ما يُقاس (فاللامحدود وغير المقيس لا يمكن تطبيق النماذج الكمية عليه) .