٦ ـ نموذج التلاحم العضوي بسبب تماسكه العضوي وصلابته وافتقاده إلى المسامية والفضفاضية قادر على الحركة في ظروف مثالية وحسب، وفي اتجاه واحد وحسب ـ دائماً إلى الأمام. ولكنه بسبب هذا نجده غير قادر على التوقف، وفي الوقت نفسه مهدَّد بالتوقف الكامل إن لم تتوافر له الظروف المثالية، أي ظروف التحكم الكامل والتجانس الكامل والترشيد الكامل.
قد لا يتسم نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي بمقدرته على الحركة السريعة والدائبة والمستمرة ولكنه يعوِّض هذا بمقدرته على التحكم في الإيقاع العام وفي توظيفه بما يتفق مع المنحنى الخاص لواقعه. وقد أدرك المنتفضون طبيعة واقعهم، وهو أنهم يعيشون تحت وطأة نظام عسكري شرس ذي ادعاءات ديموقراطية تتمتع بتأييد الحكومات والصحافة الغربية. ولذا كان المنتفضون يقومون بمضايقة العدو وإلحاق الألم والأذى به. ولكن الحجر ليس قاتلاً، وقد فوَّت هذا على عدوهم فرصة استخدام آلته العسكرية إلا بحذر شديد (وبخاصة في وجود وسائل الإعلام) . ولذا يمكن القول بأن النموذج الانتفاضي يقف بين النموذج الفيتنامي (القتال المسلح) والنموذج الغاندي (العصيان المدني السلمي) ، ومع هذا بوسع النموذج الانتفاضي أن يتحرك في نطاقهما إن لزم الأمر.
كما يتسم نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي بمقدرته الفائقة على التحرك والاستمرار تحت معظم الظروف، وعلى الاستمرار بعد الانقطاع، وهذا ما حققته الانتفاضة، فهي أطول حركة عصيان مدني نشيط في التاريخ. لقد استمرت الانتفاضة وأنهكت العدو تماماً، حتى أن التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي توصَّل إلى اقتناع مفاده أنه لن يمكن القضاء على الانتفاضة إلا عن طريق الالتفاف حولها، ومن هنا مدريد ثم أوسلو.