للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد درَّب أهل الضفة والقطاع أنفسهم تماماً حتى أصبح بوسعهم أن ينجزوا في ساعتين أو ثلاث ما لا يستطيع غيرهم إنجازه إلا في يومين أو ثلاثة، وهذا يتطلب تدريب كل أفراد الجماعة على الحركة المنسقة وعلى توزيع الأدوار والوظائف توزيعاً دقيقاً. وقد أدى هذا إلى زيادة مقدرة الفلسطينيين على القيام بهذا العدد الهائل من الإضرابات والاحتجاجات دون أن يحترقوا. وقيادة الانتفاضة بقبولها فكرة السماح بفتح المحلات وغيرها من الخدمات لعدة ساعات تبيَّن أنها مدركة تماماً لضرورة تحريك كل أجزاء الجماعة الإنسانية وبشكل مستمر، ومن ثم لابد أن تلبي حاجاتهم الإنسانية كبشر، لابد أن يأكلوا ويشربوا ويفرحوا ويحزنوا. ولكنهم كبشر أيضاً يحققون إنسانيتهم من خلال انتفاضتهم فلا يسقطون في رتابة الزمان اليومية، ولا في آليته المبتذلة، إذ أنهم بعد عودتهم من عند البقال يضعون ما اشتروا من بضائع في زاوية الدار ثم يعانقون النجوم ويرشقون عدوهم بالحجارة. لقد ابتدع الفلسطينيون زماناً فلسطينياً للمكان الفلسطيني ـ هذا إذن هو الإنسان في زمن الانتفاضة، هذا هو الإنسان الذي أفلت من قبضة الزمن الرديء، وقد أنجز ذلك لا بتحطيم الزمان ونفسه (كبروميثيوس أو العنقاء ـ كما يقول شعراء الحداثة) ، وإنما بتقبُّله كمعطى والعمل من خلاله، وبزيادة الخبرة اليومية، ومن خلال التكاتف والتعاطف والتراحم. وماذا يستطيع العدو مهما بلغت كفاءته أن يفعل في مجابهة هذا؟

ومن الأمثلة الأخرى على التصعيد الأفقي أن المنتفضين لاحظوا أن جنود العدو كانوا يتعرفون على راشقي الحجارة عن طريق التراب العالق بأيديهم. فقام المنتفضون بتجنيد الأطفال الصغار ليحملوا فوطة مبللة يغسل راشق الحجارة بها يده بعد فراغه من فعله البطولي.

<<  <  ج: ص:  >  >>