للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

غيرهم، وفي الأفعال الاختيارية دون ما يقع بالطبيعةِ والجواهر إذ لا (١) يدخل ذلك في التكليف.

أمَّا الأفعال: فعند الأشعريَّة لا حظرَ ولا إباحةَ ولا وجوبَ قبل ورود الشرع، فالحظر بالنهي، والوجوب بالأمر، والإباحة بالإطلاق، وقد انعدم ذلك كلُّه، ومَن نسب إلى الأشعرية التوقُّف في ذلك كلِّه فهو خطأٌ؛ لأنَّ القولَ بالتوقُّف قولٌ بوجوب اعتقاد التوقُّف، وهم لا يَرَون الوجوبَ بدون السمع.

وقال جماعةٌ مِن فقهاء أهلِ الحديث ومتكلِّميهم وبعضُ المعتزلة والإماميَّة: إنَّها على الحظر؛ لأنَّه تناولٌ في مِلك الغير والتصرُّف فيه مِن غير إذنِ صاحب الحقِّ.

وقالت المعتزلةُ مِن المتكلِّمين، والفقهاءُ العراقيون -أبو الحسن الكَرْخيُّ وأبو بكرٍ الرازيُّ وغيرهما-: هي على (٢) الإباحة؛ لهذه الآية، ولقولِه: {رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: ٢٢] {وَسَخَّرَ لَكُمُ} [إبراهيم: ٣٢]، وهذا لأنَّ الأشياءَ لمَّا خُلقت للمكلَّفين، كان مطلقًا لهم الانتفاعُ بها إلَّا أنْ يَرِدَ دليلُ السمع (٣) بالحظر، ولأنَّها خُلقت منتفَعًا بها ولا يَنتفع بها الخالق، فلو لم يَنتفع بها الخلقُ، لم يكن في إيجادها فائدةٌ وحكمةٌ.

وقال أهلُ الحقِّ -وهم أهلُ السُّنَّة والجماعة-: ما عُرف أنَّ له عاقبةً حميدةً ثبت حُسْنه، وما عُرف أنْ ليس له عاقبةٌ حميدةٌ ثبت قُبحه، فيثبت الوجوبُ والحظر، وما لا وقوفَ للعقل عليه فلا معنى للقول فيه بالحظر والإباحة أو الوجوب (٤)، بل يُمكن أنْ يكون له عاقبةٌ حميدةٌ، ويمكن خلافُه، فلا وجه للقول بشيءٍ تحَكُّمًا بلا دليل.


(١) في (ر) و (ف): "والجواهر ولا".
(٢) كلمة: "على" ليست في (أ)، وكلمة "هي" ليست في (ر) و (ف).
(٣) في (أ): "الدليل السمعي"، وفي (ف): "دليل وهي الدليل السمعي".
(٤) "أو الوجوب": من (أ).