للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه: احتمَل أن يكون اللَّهُ تعالى حَمدَ نفسَه ليُعلِمَ الخَلْقَ استحقاقَه (١) الحمدَ بذاتِه فيَحمدوه، ويحتمِل أن يكون على إضمارِ الأمرِ؛ أي: قولوا: الحمدُ للَّهِ، وهو أمرٌ بتوجيه الشُّكر إليه؛ لأنَّ النِّعَم منه، وذلك يتضمَّن الأمرَ أيضًا بكلِّ المُمكن مِن الطَّاعات، على ما روي عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنَّه صلَّى حتى تورَّمت قَدماهُ، فقيل له: قد غَفرَ اللَّهُ لكَ ما تقدَّم مِن ذنبك وما تأخَّر؟! قال: "أَفَلا أكونَ عبدًا شكورًا" (٢)، فصيَّر أنواعَ الطاعات شكرًا له (٣).

وتكلَّموا في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أنَّه على الأمرِ به، أو على الإخبارِ، أو على الابتداءِ:

قال بعضهم: هو على الأمرِ؛ أي: قولوا: الحمدُ للَّه، وإضمارُ القولِ ثابتٌ في كثيرٍ مِن الآيات؛ قال اللَّه تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ} [البقرة: ١٢٧]؛ أي: قالا ربَّنا.

وقال: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: ٢٣ - ٢٤]؛ أي: يقولون: سلامٌ عليكم.

وقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: ١٠٦]؛ أي: يقال لهم: أَكَفرتم بعد إيمانِكم.

ويدلُّ على هذا الإضمارِ قولُه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولا بدَّ هاهنا مِن إضمارِ: قولوا.


(١) في (ر): "استحقاق".
(٢) رواه البخاري (١١٣٠)، ومسلم (٢٨١٩)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنه.
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" لأبي منصور الماتريدي (١/ ٣٥٨ - ٣٥٩).