للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - إن قول الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [سورة الأحقاف: ١٥] مشتمل على ذكر المدتين للحمل والرضاع, ثم لما قال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [سورة لقمان: ١٤]؛ حصلت مدة الحمل ستة أشهر, فصار كقوله: حمله ستة أشهر, وفصاله في عامين.

ثم لما ثبت عندنا أنه لا تجاوز زيادة مدة الحمل أكثر المدة, وهي الحولان؛ وجب ألا يجاوز بالزيادة على المدة المذكورة للرضاع أكثر من المدة التي تضمنتها الآية للحمل, وهي ستة أشهر. (١)

ويمكن أن يناقش أصحاب هذا القول بما يلي: أ- اضطراب بعضهم فيه؛ كالحنفية؛ حيث تباينت حكايتهم له مذهبًا عندهم أو لا، وهو أمارة ضعف القول.

أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:

١ - قول الله تعالى: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [سورة البقرة: ٢٣٣]؛ فجعل الله تعالى تمام الرضاع حولين كاملين؛ ما دل على أنه لا حكم للرضاعة بعدهما، ولا تعلق للتحريم به، وهذه هي مدة المجاعة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقصر الرضاعة المحرمة عليها (٢)، وحيث إن الله جل ذكره حد في ذلك حدًّا، كان غير جائز أن يكون ما وراء حده موافقًا في الحكم ما دونه؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن للحد معنًى معقول، وما جعل الله تعالى له غاية بالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها؛ كما قال الله سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [سورة النساء: ١٠١]، فكان لهم أن يقصروا مسافرين، وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة؛ دليلٌ على أن حكمهم في غير تلك الصفة غير القصر، وقال تعالى:


(١) ينظر: ابن حزم المصدر السابق، (١٠/ ٢٧).
(٢) ينظر: القرطبي: المصدر السابق، (٣/ ١٦٢). ابن قدامة: المصدر السابق، (١١/ ٣٢٠). شمس الدين ابن قدامة: المصدر السابق، (٢٤/ ٢٢٨). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧٩). البهوتي: المصدر السابق، (١٣/ ٨٢ - ٨٣). والحديث الذي قيد فيه الرضاع المحرم بمدة المجاعة التي يكفي الحليب في سدها هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه، وقد تقدم تخريجه في الضابط الثامن من المبحث الثالث في التمهيد، وهو يعني أن الصبي الرضيع الذي تنتقل الحرمة إليه هو الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن. ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٨٨ - ٥٨٩).

<<  <   >  >>