للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضها ويحتجب بعضها فلا تظهر كلها دفعةً واحدةً، ولا تحتجب دفعة واحدة، بل ينوب ظاهرها عن خفيها في الدلالة، وجعل بعضها ظاهرًا لا يحتجب أصلًا بمنزلة الأعلام المنصوبة التي يهتدي بها الناس في الطرق المجهولة في البر والبحر، فهم ينظرون إليها متى أرادوا ويهتدون بها حيث شاؤوا، فجاء الأمران على وفق الحكمة (١).

ثم تأمَّل حال النجوم واختلاف مسيرها، ففرقة منها لا تريم (٢) مراكزها من الفلك ولا تسير إلَّا مجتمعة كالجيش الواحد، وفرقة منها مطلقة تنتقل في البروج وتفترق في مسيرها، فكل واحدٍ منها يسير سيرين مختلفين: أحدهما عام مع الفلك نحو الغرب، والآخر خاص لنفسه نحو الشرق، فله حركتان مختلفتان على وفق الحكمة. وذلك من أعظم الدلالة على الفاعل المختار العليم الحكيم، وعلى كمال علمه وقدرته وحكمته (٣).

وتأمَّل كيف صار هذا الفلك بشمسه وقمره ونجومه وبروجه يدور على هذا العالم هذا الدوران العظيم السريع المستمر بتقديرٍ محكمٍ لا يزيد ولا ينقص، ولا يختل عن نظامه، بل هو تقدير العزيز العليم (٤) كما أشار تعالى إلى أن ذلك التقدير صادر عن كمال عزته وعلمه، فقال تعالى: {وَاَلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ اُلْعَزِيزِ اِلْعَلِيمِ} [يس: ٣٧]. وقال تعالى: {قُلْ أَائنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ اَلْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ... } إلى قوله:


(١) ينظر «مفتاح دار السعادة» للمصنف (٢/ ٥٩٨ - ٥٩٩).
(٢) أي: لا تبرح. «الصحاح» (٥/ ١٩٣٩).
(٣) ينظر «مفتاح دار السعادة» للمصنف (٢/ ٦٠٠).
(٤) بعده في «ح»: «وقال تعالى». وهي زائدة.