(بأعلم من السائل) يريد الرجل، أي أنا وأنت وغيرنا من المخلوقات سواءٌ في عدم علم وقت مجيء الساعة لأنها من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فلا يعلم أحد وقت مجيئها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال الرجل السائل (ولكن) حدثني يا رسول الله عن أشراطها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سأحدثك عن أشراطها) أي في الزمن القريب أخبرك عن أشراط الساعة وأماراتها التي تدل على قربها، وإنما أوَّلنا هذا الحديث هكذا ليحصل الجمع بين هذا الحديث الوارد بطريق أبي هريرة، وبين الحديث الوارد بطريق عمر السابق قبل هذا، لأن بين الحديثين معارضة، لأن قوله في حديث عمر (فأخبرني عن أماراتها) يدل على أن المبتدئ بالسؤال جبريل - عليه السلام - والمجيب هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله هنا في حديث أبي هريرة (ولكن سأحدثك عن أشراطها) يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب وأخبر له بلا سبق سؤال منه، فيجمع بينهما بأن جبريل - عليه السلام - ابتدأ بالسؤال المقدر كما قدرناه فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(سأحدثك عن أشراطها) فذكر في حديث عمر السؤال والجواب، وذكر في حديث أبي هريرة الجواب وحذف السؤال، فبهذا يزول التعارض بين الحديثين والله أعلم.
وعبارة القرطبي هنا قوله (سأحدثك عن أشراطها) هكذا في حديث أبي هريرة وفي حديث عمر (قال فأخبرني عن أماراتها) ووجه الجمع بينهما أنه لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم سأحدثك عن أشراطها حتى قال له جبريل فأخبرني عن أمارتها فذكر في إحدى الروايتين السؤال والجواب، وفي الأخرى الجواب فقط والله أعلم انتهى.
(فائدة) قال الأبي: إذا ورد حديثان في معنى بطريقين بينهما تنافٍ فلا بد من الجمع بين الطريقين، وطريق الجمع إن اتحد الموطن أن يُذكر وجهٌ يناسب، وإن تعدد الموطن فالجمع بان يذكر أيضًا وجهٌ يناسب، أو يقال إنه ذكر في موطن ما لم يذكر في موطن آخر، وهذا الحديث مع الأول من هذا القبيل، ففي الأول المبتدئ بالسؤال جبريل - عليه السلام -، وفي هذا النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينهما بأن يكون جبريل - عليه السلام - ابتدأ بالسؤال فقال النبي صلى الله عليه وسلم سأحدثك، فذكر في الأول السؤال وفي الثاني الجواب انتهى.
وقوله (سأحدثك عن أشراطها) قال النووي: والأشراط بفتح الهمزة جمع شرط