وسلم) من المشركين (غنائم كثيرة فقسم) تلك الغنائم (في المهاجربن والطلقاء) يعني مسلمة الفتح (ولم يعط الأنصار شيئًا) قال الحافظ: وهذا ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة.
وقال القرطبي في المفهم: والإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم.
(قلت) الأول هو المعتمد ويؤكده ما سبق من قوله وءان غنائمنا ترد عليهم وما يأتي في هذه الرواية من قولهم ويعطي الغنائم غيرنا.
ثم قال الحافظ: والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف وقيل: إنما تصرف في الغنيمة كذلك لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس.
(وقال ابن القيم) رحمه الله تعالى: اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببًا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه وإن غلبوه كفونا أمره فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين في كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم ولو قدر أن يغلبوا الكفار ابتداءً لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظمًا فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعًا متخشعًا واقتضت حكمته أيضًا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم