قال الطيبي: هذا القول توطئة وتمهيد لما يرد بعده من العتاب كقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} قال الأبي: والعذر لهم في قولهم ذلك ما ذكر من أنه حديثة أسنانهم لأنه (يعطي قريشًا) من الغنائم ما شاؤوا (ويتركنا) من العطاء ولا يعطينا (وسيوفنا) أي والحال أن سيوفنا (تقطر) وتمطر وتسيل (من دمائهم) أي من دماء قريش يعني يوم الفتح.
قال الطيبي: هذا من باب قول العرب: عرضت الناقة على الحوض فهو من القلب والأصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا ويحتمل أن تكون من بمعنى الباء الموحدة وبالغ في جعل الدم قطر السيوف قال الأبي: يعنون أنهم ليس لهم سابقة ولا قدم في الإسلام.
قال القاري: ولا يبعد أن يكون التقدير: وسيوفنا باعتبار ما عليها تقطر من دمائهم وهو إشعار بقرب قتلهم كفار قريش وإيماء إلى أنهم أولى بزيادة البر فالجملة حال مقررة لجملة الإشكال.
(قال أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه (فحدث ذلك) بالبناء للمجهول من التحديث أي أخبر بمقالتهم تلك (رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم) وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم ذلك الكلام السابق ولفظة (ذلك) مفعول مقدم لقولهم ولفظ البخاري: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أخصر وأوضح والذي حدثه بأن الأنصار وجدوا في أنفسهم هو سعد بن عبادة كما في سيرة ابن سيد الناس اهـ تنبيه المعلم.
وقال ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منه المقالة فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد قال: ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك فخرج فجمعهم الحديث وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر على الرواية التي فيها أما رؤساؤكم فلم يقولوا شيئًا لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر وإن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد