بل أرسَلَهُ في صورة بشر مُنْذِرًا بالموت، وأمره بالتَّعرض على سبيل الامتحان، وكان في طبعه حدة حتى روي: أنه كان إذا غضب اشتعلَتْ قلنسوته نارًا؛ لحدَّة طبعه، وقد جَرَتِ السُّنَّة بدفع القاصد بسوء، فلما نظر إلى شخص يقصد إهلاكه وهو لا يعرفه، دَفَعَ عن نفسه، وكان في دَفْعِهِ ذهاب عينه الصُّورية.
وقيل: إنما لطمها موسى - عليه السلام -؛ لأن الأنبياء - عليهم الصلاة والمسلام - كانوا مخيَّرين من عند الله آخر الأمر بأحد الشيئين؛ إما الحياة، وإما الوفاة، فأقدم ملك الموت على قَبْضِ روحه قبل التَّخيير.
" قال: فرجع الملك إلى الله تعالى، فقال: إنك أرسلتني إلى عَبْدٍ لك لا يريد الموت، وقَدْ فَقَأَ عيني قالْ فَرَدَّ الله إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي ": وإنما ردَّ إليه رسوله ليعلم إذا رأى صحَّة عينه المفقوءة أنه رسول الله بعثه لقبض روحه، فيستسلم لأمره ويطيب نفسًا بقضائه.
" فَقُل: الحياةَ تريدُ؟ فإنْ كُنْتَ تريدُ الحياةَ فَضَعْ يَدَكَ على مَتْنِ ثَوْرٍ، فما تَوَارَتْ يَدُكَ من شَعْرَةٍ فإنك تعيش بها "؛ أي: بكل شعرة من تلك الشعور " سنة، قال "؛ أي: موسى عليه السلام: " ثم مَهْ؛ ": استفهام؛ أي: ثُمَّ ما يكون بعد ذلك؟
" قال "؛ أي: ملك الموت: " ثم تموت، قال "؛ أي: موسى عليه السلام: " فالآن من قَرِيبٍ، ربِّ أَدْنِني "؛ أي: قرِّبني " من الأرض المقدَّسة رَمْيَة بِحَجَر "؛ أي: إدْنَاءً مثل رمية بحجر.
" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله لو أني عنده لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جَنْبِ الطَّريق عند الكَثِيْبِ "؛ أي: المجتمع من الرمل " الأحمر ".