للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الجوابُ لا يَصلُحُ لغَلِيظِ الطَّبعِ قليل العلم، فإذا سأل عن ذلك مَن قَلَّ فهمُهُ فُصِّلت له الأوامر والنواهي الشَّرعية.

وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: "أَمَرَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهمْ" (١).

قال صاحب "الإفصاح" (٢): "هذا أصل -يعني: قوله: "الإثم: ما حاك في نفسك"- يُتَمَسَّك به لمعرفة الإثم من البر؛ فإنه قد يطمئن القلب للعمل الصالح طمأنينة تُبَشِّره بأَمْرِ العَاقِبة، والإثم يحك في الصدر عن طمأنينة؛ لأنه لا يقر الشرع عليه، وإنما يكون على وجهٍ يَشذّ، أو تأويل مُحْتَمَل إلَّا أن مِعيَارَهُ يَظهر بأنَّه إنْ كَرِهَ صاحبه الاطِّلاع عليه، والناس ها هنا مُعَرَّف، فهو يَنْصَرِفُ إلى وُجُوهِ الناس وأَمَاثِلِهم لا إلى رَعَاعِهم؛ فذلِكَ -حينئذ- هوَ الإثم فليتركه، وهذا ما زال ظاهرًا معروفًا حتَّى قد قال زهير (٣):

أَلسِّتر دونَ الفاحِشاتِ وَلَا ... يلقاك دونَ الخير من سِتْرِ"

الرابع: معنى "اطْمأَنَّت": سَكنَتْ، ومنه: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} [النساء:١٠٣] أي: سكنتم من انزعاج الحرب وحركته، ولا شَكَّ أَنَّ النفسَ لها شُعُورٌ مِن أَصْلِ الفِطرَةِ بما تُحْمَدُ عاقبته وبما لا يحمد، ولكن الشَّهْوَةَ غَلَبَتْها بحيث يوجب لها الإقدام على ما يضرها، كاللِّص تغلِبُه الشَّهوة على السَّرقة، وهو خائِفٌ مِن الحَدِّ، والزَّاني ونحوه كذلك؛ فإذا تَقَرَّرَ ذلك فقد تضمَّنت هذه الجُمْلة علامَتَيْن:

تأثره في النفس وتردده، وما ذاك إلَّا لِشُعورها بسوء العاقبة.


(١) ذكره مُسلم في مقدّمة "صحيحه" (١/ ٦)، ورواه أبو داود (٥/ ١١٢ رقم ٤٨٤٢).
(٢) المطبوع من "الإفصاح" توقَّفَ عندَ الجزء الثامن -شرحُ مُسندِ "جابر بن عبد الله" - رضي الله عنهما -، وبينَهُ وبين النواس- على ترتيب الحُمَيْدي صاحِب الأصل - عَشَرَاتُ المسانيد.
(٣) "ديوان زهير بن أبي سلمى" (٥٦).

<<  <   >  >>