الأحاديث الصحاح، وليس ذلك هو أصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته، فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق ولا معانيه تشبه معانيه ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد فمن شبَّه اللهَ بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته، وقد بينتُ في الجواب المبسوط مراتبَ مذاهب أهل الأرض في ذلك، وأن المتفلسفة تزعم أن كلام الله ليس له وجود إلا في نفس الأنبياء تفيض عليهم المعاني من العقل الفعال فتصير في نفوسهم حروفًا كما أن ملائكة الله عندهم ما يحدث في نفوس الأنبياء من الصور النورانية، وهذا من جنس قول فيلسوف قريش الوليد بن المغيرة: {(٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ} [المدثر: ٢٥] فحقيقة قولهم أن القرآن تصنيف الرسول لكنه كلام شريف صادر عن نفس صافية، وهؤلاء هم الصابئة فنفرت (١)
منهم الجهمية فقالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم ولا قام به كلام وإنما كلامه ما يخلقه من الهواء أو غيره، فأخذ بعض ذلك قوم من متكلمة الصفات فقالوا: بل نصفه، وهو المعنى كلام الله، ونصفه وهو الحروف ليس كلام الله بل هو خلق من خلقه.
وقد تنازع الصفاتية القائلون بأن القرآن غير مخلوق هل يقال: إنه قديم لم يزل ولا يتعلق بالمشيئة؟ أم يقال يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء؟ على قولين مشهورين في ذلك، وفي السمع والبصر ونحوهما ذكرهما الحارث المحاسبي عن أهل السنة، وذكرهما أبو بكر [عبد العزيز] عن أهل السنة من