للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعقوبة وأثرت الحماسة والشجاعة في نفوسهم.

وكنت متعوداً على الجبال، عرفتها وألفتها وطال عهدي بها، فهوّنت النزول عليهم، فنزلوا والحجارة تتدحرج من تحت أقدامهم، وكل من كان في المقاهي أو كان قاعداً على السفح أو كان يتنزّه بين الأنهار التي تجري في الجبل، كلهم يصرخ بي: ما في نزلة من هنا، ارجع، ارجع. ما في نزلة، خطر.

يرون الخطر وأنا أراه معهم، ولكنهم لم يروا ولم يعلموا ما الذي جعلني أهجم على الخطر وأعرّض أولاد الناس إليه.

وكانت ساعة أطول من دهر، لا يعلم إلاّ الله ما مرّ عليّ فيها وأنا أتوجّه إليه أدعوه ضارعاً مضطراً، وهو الذي يجيب دعوة المضطرّ. كنت أرى الموت في كل خطوة نخطوها بأقدامنا وفي كل حجر ينحدر من تحت أرجلنا، أراه في الوادي الذي يبدو لي كقرارة بئر ما إليها وصول، أرى لمعان مياه الأنهار كأنها سيوف مُشرَعة أو سكاكين محدّدة، أمام قلبي الذي كاد من شدة الخفقان يفارق الضلوع، وكانت صورة الولد الذي سقط قديماً في النهر لا تفارق مخيّلتي، فأسأل الله ألاّ تُعاد وأدعوه أن يمرّ اليوم بسلام.

وما كنتَ تراني إلاّ صاعداً ونازلاً، وكذلك يصنع أخواي ناجي وعبد الغني: يتعثّر تلميذ فنسرع إليه أو يعلق فنمضي لإنجاده، والأصوات لا تنقطع من تحتنا من المقاهي ومن شطوط الأنهار، لم يبقَ للناس عمل إلاّ مراقبتنا والنداء علينا.

وما صدقت أن بلغت السفح حتى تشهّدتُ، وألقيت بنفسي

<<  <  ج: ص:  >  >>