للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مليئةً {حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: ٨]، تطلُبُ غِرّةَ النفْس والرقيبُ قريبٌ {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: ١٠]، وتنصِبُ لها حِبالةَ {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} [النساء: ١٢٠]، فيمنَعُها مِن أن تقطعَ فيها حاجزُ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: ٦٥]: إنّها لَتُسافرُ في عالَم الكسْبِ فتعترضُها في تلك الفَلاة وتَختِلُها عند الغَفَلات، والحارسُ يُنادي: يا خيلَ الله اركَبي.

ومنها، في قصّة بلالٍ وأُميّةَ بن خَلَف بن وَهْب بن حُذافةَ بن جُمَحَ واسمُه تَيْمُ بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لُؤيِّ بن غالبِ بن فِهْرِ بن مالِك بن النَّضْر بن كِنَانةَ بن خُزَيْمةَ بن مُدرِكةَ بن إلياسَ بن مُضَرَ بن نِزار بن معَدِّ بن عدنان، وكان ممّن يُعذِّبُ بلالًا على الإسلام: المرءُ بضره لا بغيرِه، وبفضيلتِه لا بفصيلتِه، تَقْوى الرجُل سببٌ تنتهي عندَه الأسباب، ونسَبٌ تَهونُ معَه الأنساب، دُعِي إلى الإسلام أخو جُمَح فجَمَحَ وما جَنَح، وكان في رِقِّه بلالٌ فرَقَّ قلبُ الرَّقيق، وصَدَقَ عتِيقُ الصِّدِّيق، يومَ الفتح تبيَّنَ خَطَلُ ابنِ أخطل وقد عاذ بمكانِه، ونَعِمَ بالُ بلال حين غاظ بعضَ السامعينَ بأذانِه، ما ضَرَّ الحبَشيَّ لونُه وإنِ ازدَرَوْه، ولا نفَعَ القُرَشيَّ كونُه أحدَ من داروا حولَه وداروه، ما أقرَضَه بمكّةَ سلًّا لسيفِ العُدوان وانتَضَاه، فعلى القَليبِ قَضاهُ إيّاه، وخِيارُكم أحسَنكم قضاءً، لم يَرْعَ له ولايةَ الحقّ، فأعرَضَ عن حُرمة أسرِه المستحَقّ، أغرى به سُفهاءَ مكّةَ فحشَرَ عليه سَراةَ يَثْرِب، أقعَدَه في الرَّمضاءِ حتى حَمِيَ فضَرَبَه بسيوفِ الأنصار حتى بَرَد [الكامل]:

صاحِبْ رجاءَ غدٍ عسى الأيامُ أنْ ... يَرجِعْنَ قومًا كالذي قد كانوا

واستعمِل البُقْيا حَذارِ جنايةً ... تُجزَى بها فكما تَدِينُ تُدانُ

ضَلَّ امرُؤٌ جعَلَ الإساءةَ عادةً ... ويَرى المَثُوبةَ أنها إحسانُ

وله مجالسُ وَعْظيّةٌ كان يصنَعُها للواعظِ الفاضل الصالح أبي محمد بن عليِّ بن أبي خُرْص، رحمه اللهُ، ومِن قِبَلِه استفَدْناها، منها في قصّة آدمَ وإهباطِه من الجنّة إلى الأرض: رَوى الضّحّاكُ عن ابن عبّاس رضي اللهُ عنه قال: بَيْنا آدمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>