فعلم بهذا أن نعمة بعد الوجود لم تكن تساوي نعمة البيان في حق الإنسان، ففي حجر السفينة عن التصرفات على وجه لا اعتبار لكلامه أصلا كان فيه تفويت لأعلى النعم كلها فلا يكون ذلك من النظر له بل هو أقوى الإضرار به، فكان تدبير النظر له بهذا الطريق عائدًا على موضوعه بالنقض.
(فيبطل القياس)؛ لأن من شرط صحة القياس أن يكون الفرع نظيرا للأصل (لإبطال أعلى النعمتين) وهو نعمة اللسان (باعتبار أدناهما) وهو نعمة اليد فهو لا يصح.
كما إذا أكره على شرب الخمر بالقتل يلزم عليه شرب الخمر لأن في شرب الخمر إزالة جزئه وهو العقل وفي الامتناع عنه إزالة كله بالقتل وهو النفس فلا يباح اختيار إزالة النفس باعتبار إبقاء جزئها.
(وقال: بهذه الأمور صارت حقا للعبد رفقا به) أي صحة العبارة واليد واللسان تثبت رفقا يصاحبها، (فإذا أدى إلى الضرر وجب الرد) لئلا يصير الرفق عائدا على موضوعه بالنقض؛ لأن هذه النعم تثبت لنفع صاحبها فإّذا صار اعتبارها ضررا لا يبقى الانتفاع بهذه النعم، فالعقل نعمة عظيمة فإذا لم يتأمل صاحب العقل بعقله في آيات الله تعالى حتى استحق به العقاب صار وجود العقل ضررا له.
ألا ترى أن المجنون لا يعاقب باعتبار عدم العقل والعاقل يعاقب باعتبار