للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجنوب. ويحمى الجبل الأسود وجبل المانع المدينة من الجنوب بعض الحماية، ولكنها مكشوفة من الشرق. (وتسود دمشق الرياح الشَّرقية وإن كانت تهب عليها أَيضًا رياح غربية تجلب الثلج والمطر، كما تهب عليها في الرَّبيع رياح الخماسين من وقت إلى آخر، وتتفاوت فيها درجة الحرارة بين ٦ ْ مئوية في منتصف يناير و ٢٦ ْ مئوية في منتصف يوليه) ولكنه في مجموعة خير من مناخ المنطقة المجاورة لها من الشرق.

وموقع دمشق مهم لأن نهر بَردَى قد أنشأ فيه واحة متسعة هي الغوطة المشهورة التي تنفرج من جبال لبنان الشَّرقية إلى إقليم قليل المطر (ويقدر متوسط ما يسقط سنويا من المطر بأربع عشرة بوصة) قبل أن تغيض مياهها أبعد من ذلك غربًا، في بطائح عتيبة. وهذه الواحة الرائعة تعد بحق روضة من الرياض، وقد كونت من الناحية الطبيعية مركزا حضريا للأرض الواسعة المناوحة للساحل الشبيهة بالفيافي. واستطاعت دمشق أن تجتذب تجارة شمال سوريا والعراق وأرض الجزيرة وبلاد العرب وبابل من ناحية، والبحر المتوسط ومصر من ناحية أخرى، بفضل الطرق الطبيعية الممتدة مسافات بعيدة في شمالها ثم في جنوبها، وأن تصبح مركز هذه التجارة، ذلك لأن المناطق المحيطة بها لا مثيل لها في خصب تربتها ولأن المدينة نفسها تقع على الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب مخترقًا الأراضى الداخلية لسورية.

وقد أصبحت دمشق بفضل هذا الموقع مركزا ثقافيا من الطراز الأول منذ أقدم العصور. وجلى أن اسم المدينة يرجع إلى ما قبل العهد الإسلامى (ورد في قائمة تحتمس: تمسقو، وفي الأشورية: دمشقى وتمشكى، وفي العبرية: ثم وردت بعد ذلك بفك الحرفين المدغمين كما في السريانية). ويظهر الاسم في العهد القديم بالفعل متصلا بقصة إبراهيم (سفر التكوين، الإصحاح ١٤، آية ١٥). وقد توسعت الروايات في هذه الصلة، بل إن المسلمين لا يزالون إلى اليوم يمجدون