للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن كتب الجغرافيا التي ظهرت أيضًا في منتصف القرن الثاني عشر "كتاب جغرافيا" لكاتب أندلسى يسمى الزهري، وجاء في هذا الكتاب أنه وصف لمصور العالم (جغرافيا) الذي رسم للمأمون (انظر ما سبق) ولكن صاحبه يقسّم العالم المعروف وقتذاك بطريقة تخالف تمامًا ما جرت عليه العادة، فهو يقسمه إلى سبعة أقاليم تحيط ستة منها بإقليم مركزى على مثال التقسيم الفارسى إلى "كشورات" ثم يقسم كل إقليم إلى ثلاثة أقسام، ولا شك أن هذا التقسيم يرجع إلى آراء جغرافية أقدم من ذلك عهدا بكثير، وهي في حاجة إلى دراسة خاصة، ثم إن المعلومات الجغرافية الواردة في هذا الكتاب تخرج بعض الشيء عن المألوف، وهي أميل إلى الأعاجيب والتهاويل، وكانت الأندلس أكثر الممالك حظًا من الوصف المفصل.

أما في القرون التالية للإدريسى فإن المصاعب تزداد إذا ما أردنا أن نرد ضروب التأليف الجغرافي إلى موضعها من البيئة الثقافية والسياسية للعالم الإسلامي الذي اختلفت أحواله الاجتماعية وتباينت أشد التباين وقتذاك، وأصبحت المعارف الجغرافية شيئًا فشيئا من المأثورات، وقلت الحاجة في بلاط أمراء ذلك العهد إلى الكتب الجغرافية العامة، وقد أشبعوا حاجاتهم منها بنسخ الكتب الجغرافية الأقدم عهدا، ويؤيد ذلك النسخ المتعددة من مؤلفات مدرسة البلخى، وهي التي نسخت لخزانة سلاطين المماليك بمصر ثم سلاطين العثمانيين من بعدهم، وأصبح مؤلفو الرسائل الجغرافية منذ ذلك الوقت إلى العلماء ذوي الأصالة أقرب، يحيطون بالتواليف احاطة واسعة. ولكنا نجد أن هذه الرسائل أيضًا يغلب عليها الجمع، فهي تتفاوت بين الترتيب الجارِ على حروف المعجم أو غيرها وبين إعادة ترتيب المعارف ترتيبا يتجلى فيه الابتكار. وهيأت هذه الحالة أيضًا الأسباب لكتابة ما يعرف بكتب علم الكون والقصص العجيبة غالبا المكانة الأولى فيها، وجرت الحال بأن لا يكون للحقائق الجغرافية الجديدة في مجموع الروايات المكانة اللائقة فيها. وقد ازدادت هذه الحقائق الجديدة