للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأخلاق ورجال الأدب، لأنه إذا كان التأريخ فرعًا من فروع الأخلاق وليس علمًا من العلوم فإنه لا ينبغي للمؤرخين أن يترددوا في تكييف أمثالهم التاريخية بما يوائم أغراضهم. وقد ذهبت كتب الأدب و "مرايا الأمراء" الطافحة بمثل هذه الضلالات مدى بعيدًا في إفساد ذوق الجمهور وملكة الحكم عنده، بل إن بعض المؤرخين والإخباريين لم يسلموا دائما من هذه العدوي.

٣ - ولنذكر في هذا المقام تلك الادعاءات التأريخية العديدة التي أذيعت في هذا العهد أو في تأريخ متأخر عنه. ولم يكن جلّها محض اختلاق بل كان يستند إلى أساس من الرواية الصحيحة مزج بصنوف الروايات الشعبية والقصص الخيالى ومواد الدعاوة والحزبية، وكان يرمى في الغالب إلى هدف سياسى أو دينى معين (انظر على سبيل المثال مواد ابن أعثم وابن قتيبة والمرتضى والأشرف والواقدى) شأنه في كل دلك شان مؤلفات سيف بن عمر المتقدمة الذكر (فقرة ٣ أ، أعلاها).

٤ - على الرغم من أن الفقيه والمحدث قد تنحيا لعمال الديوان عن مكانهما في تدوين التأريخ السياسي فقد ظلا مستأثرين بكتابة السير التي هي أوسع مجالًا من ذلك التأريخ. وكانت كتابة السير -كما قدمنا- ضربا من الرواية القديمة، ولا شك في أن التأريخ السياسي كان أكثر إخلاصًا للفكرة القديمة بعد تحوله إلى حوليات عن البيوت المالكة، لأن سير العلماء "ورثة النبي" كانت في نظر المتعلمين أصدق تعبير، عن التأريخ الحق لأمة الله على الأرض من النظم السياسية الزائلة.

وكانت المواد المتعلقة بالشخصيات البارزة موضوعًا منذ القدم لمجموعات قائمة بذاتها إلى جانب طبقات المحدثين والفقهاء المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك، وهذه الطبقات تقوم على عمل فنى ويندر أن تأخذ سمة السير في معناها الصحيح، ومن أقدم ما وصل إلينا من هذه المصنفات سيرة الخليفة عمر بن عبد العزيز التي ألفها أخو ابن عبد الحكم المتقدم الذكر، ومن الواضح أنها تستند في بعض أجزائها إلى وثائق مكتوبة وفي أجزائها الأخرى إلى رواية أهل التقوى ولاسيما في المدينة. بيد أن هذه المصنفات تتناول - في أغلب