للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبد الله بن مسعود وغيرهم، قالوا: الثيبُ يجلدُ ويرجمُ، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، وهو قول إسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النَّبيِّ منهم أبو بكر وعمر وغيرهما: الثيب إنَّما عليه الرجم ولا يجلد. وقد روي عن النَّبيِّ مثل هذا في غير حديث في قصة ماعز وغيره أنَّه أمر بالرجم ولم يأمر أنْ يجلد قبل أن يرجم، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد».

وقال ابن حبان عقب (٤٤٤٣): «هذا الخبر دال على أنَّ هذا الحكم كان من الله جل وعلا على لسان صَفيِّهِ في أول ما أنزل حكم الزانيين، فلما رفع إليه في الزنى وأقر ماعز بن مالك وغيره بها، أمر برجمهم ولم يجلدْهم، فذلك ما وصفت على أنَّ هذا آخر الأمرين من المصطفى وفيه نسخ الأمر بالجلد للثيبين، والاقتصار على رجمهما».

وقال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عقب (٤٧٤٧): «ولم يكن بين قول: ﴿أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ وبين حديث عبادة حكم آخر، فعلمنا أنَّ حديث عبادة كان بعد نزول الآية، وأنَّ حديث ماعز الذي سأله رسول الله فيه عن إحصانه، لتفرقته بين حد المحصن وغير المحصن، وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني (١): أنَّه فرّق رسول الله فيه بين حكم البكر والثيب، فجعل على البكر جلد مئة وتغريب عام، وعلى الثيب الرجم متأخر عنه، فكان ذلك ناسخاً له؛ لأنَّ ما تأخر من حكم رسول الله ينسخ ما تقدم منه، فلهذا كان ما ذكرنا من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد، وحديث ماعز أولى من حديث عبادة مع ما قد شد من النظر الصحيح، وذلك أنا رأينا العقوبات المتفق عليها في انتهاك الحرمات كلها، إنما هي شيءٌ واحد. من ذلك أنا رأينا أنَّ السارق عليه القطع لا غير، والقاذف عليه الجلد لا غير، فكان النظر على ذلك أيضاً أنْ يكون كذلك الزاني المحصن، عليه شيء واحد


(١) أخرجه: البخاري ٣/ ٢٥٠ (٢٧٢٤) و (٢٧٢٥) و ٩/ ١٦١ (٦٦٣٣) و (٦٦٣٤) و ٩/ ٢١٤ (٦٨٢٢) و (٦٨٤٣)، ومسلم ٥/ ١٢١ (١٦٩٧) (١٦٩٨) (٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>