١ - من فوائد الآية: أنه إذا لم يجد كاتباً في السفر فإنه يوثق الحق بالرهن المقبوض.
٢ - ومنها: عناية الله عز وجل بحفظ أموال عباده؛ يعني أنه سبحانه وتعالى ذكر حتى هذه الصورة: أن الإنسان إذا داين غيره، ولم يجد كاتباً فإنه يرتهن رهناً حفظاً لماله، وخوفاً من النزاع، والشقاق في المستقبل.
٣ - ومنها: جواز الرهن؛ لقوله تعالى: {فرهان}؛ ولكن ذلك مشروط - حسبما في الآية - بالسفر سواء كان قصيراً، أو طويلًا؛ وبألا نجد كاتباً؛ فهل هذا الشرط معتبر؟ الجواب: دلت السنة على عدم اعتباره: فقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين صاعاً من الشعير لأهله، ورهن درعه عند يهودي حتى مات (١)؛ وهذا يدل على جواز الرهن في الحضر حتى مع وجود الكاتب.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر هكذا فما الجواب عن الآية؟ فالجواب عن الآية أن الله عز وجل ذكر صورة إذا تعذر فيها الكاتب فإن صاحب الحق يتوثق لحقه بالرهن المقبوض؛ فذكر هذه الصورة لا على أنها شرط للحكم؛ يعني كأنه قال: إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه؛ وإن كنتم في السفر، وليس عندكم كاتب فرهان مقبوضة.
٤ - ومن فوائد الآية: أن بعض العلماء استدل بهذه الآية على لزوم القبض في الرهن؛ وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن قبض الرهن شرط لصحته؛ لأن الله جعل القبض وصفاً في الرهن؛ والوصف لازم للموصوف.
والقول الثاني: أن القبض شرط للزوم الرهن - لا لصحته؛ وعلى هذا القول يكون الرهن صحيحاً - وإن لم يُقبَض - لكنه ليس بلازم؛ فللراهن أن يتصرف فيه بما شاء.
والقول الثالث: أن القبض - أعني قبض الرهن - ليس بشرط لا للصحة، ولا للزوم؛ وإنما ذكر الله القبض في هذه الحال؛ لأن التوثق التام لا يحصل إلا به لكون المتعاقدين في سفر؛ وليس ثمة كاتب، فلا يحصل تمام التوثقة بالرهن إلا بقبضه؛ وهذا القول هو الراجح؛ وعليه فالرهن لازم صحيح بمجرد عقده - وإن لم يقبض؛ لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: ١]، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} [الإسراء: ٣٤]؛ وعلى هذا القول عمل الناس: فترى الرجل يكون راهناً بيته وهو ساكن فيه، أو راهناً سيارته وهو يستعملها؛ ولا تستقيم حال الناس إلا بذلك.
٥ - ومن فوائد الآية: أنه إذا حصل الائتمان من بعضنا لبعض لم يجب رهن، ولا إشهاد، ولا كتابة؛ لقوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته}؛ ولهذ قال كثير من العلماء: إن هذه ناسخة لما سبق في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة}؛ والصحيح أنها ليست ناسخة؛ بل مخصِّصة لما سبق.
٦ - ومنها: وجوب أداء الأمانة على من اؤتمن؛ لقوله تعالى: {فليؤد الذي اؤتمن أمانته}؛ فإذا وجب أداء الأمانة حرمت الخيانة.
٧ - ومنها: أنه لو تلفت العين بيد الأمين فإنه لا ضمان عليه ما لم يتعد، أو يفرط؛ لقوله تعالى: {فليؤد الذي اؤتمن أمانته}؛ فسماها الله سبحانه وتعالى أمانة؛ والأمين يده غير متعدية؛ فلا يضمن إلا إذا حصل تعدٍّ، أو تفريط؛ ومن التعدي إذا أعطي الإنسانُ أمانة للحفظ تصرف فيها - كما يفعل بعض الناس - ببيع، أو شراء، أو نحو ذلك؛ وهذا حرام لا يجوز؛ وإذا أردت أن تفعل فاستأذِن من صاحبها؛ فإن أذن لك صارت عندك قرضاً.
(١) راجع البخاري ص ٢٣٤، كتاب الجهاد، باب ٨٩: ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب، حديث رقم ٢٩١٦.