للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣١ - ومنها: قصر حفظ المرأة وإدراكها عن حفظ الرجل، وهذا باعتبار الجنس؛ فلا يرد على ذلك من نبوغ بعض النساء، وغفلة بعض الرجال.

٣٢ - ومنها: جواز شهادة الإنسان فيما نسيه إذا ذُكِّر به، فذكر؛ لقوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}؛ فإن ذُكِّر ولم يذكر لم يشهد.

٣٣ - ومنها: تحريم امتناع الشاهد إذا دُعي للشهادة؛ وهذا تحته أمران:

الأمر الأول: أن يُدعى لتحمل الشهادة؛ وقد قال العلماء في هذا: إنه فرض كفاية؛ وظاهر الآية الكريمة أنه فرض عين على من طلبت منه الشهادة بعينه؛ وهو الحق؛ لأنه قد لا يتسنى لطالب الشهادة أن يشهد له من تُرضى شهادته.

الأمر الثاني: أن يُدعى لأداء الشهادة؛ فيجب عليه الاستجابة؛ لهذه الآية، ولقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣].

٣٤ - ومن فوائد الآية: النهي عن السأَم في كتابة الدَّين سواء كان صغيراً، أو كبيراً؛ والظاهر أن النهي هنا للكراهة.

٣٥ - ومنها: أنه إذا كان الدَّين مؤجلاً فإنه يبيَّن الأجل؛ لقوله تعالى: {إلى أجله}.

٣٦ - ومنها: أن ما ذُكر من التوجيهات الإلهية في هذه الآية فيه ثلاثة فوائد:

الأولى: أنه أقسط عند الله - أي أعدل عنده لما فيه من حفظ الحق لمن هو له، أو عليه.

الثانية: أنه أقوم للشهادة؛ لأنه إذا كتب لم يحصل النسيان.

الثالثة: أنه أقرب لعدم الارتياب.

٣٧ - ومن فوائد الآية: العمل بالكتابة، واعتمادها حجةً شرعية إذا كانت من ثقة معروف خطه؛ ويؤيد هذا قوله (صلى الله عليه وسلم): «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (١).

٣٨ - ومنها: أن الشهادات تتفاوت؛ فمنها الأقوم؛ ومنها القيم؛ ومنها ما ليس بقيم؛ فالذي ليس بقيم هو الذي لم تتم فيه شروط القبول؛ والقيم هو الذي صار فيه أدنى الواجب؛ والأقوم ما كان أكمل من ذلك؛ بدليل قوله تعالى: {وأقوم للشهادة}. فإذا قيل: ما مثال القيم؟ فنقول: مثل شاهد، ويمين؛ لكن أقوم منه الشاهدان؛ لأن الشاهدين أقرب إلى الصواب من الشاهد الواحد؛ ولأن الشاهدين لا يحتاج معهما إلى يمين المدعي؛ فكانت شهادة الشاهدين أقوم للشهادة.

٣٩ - ومن فوائد الآية: أنه ينبغي للإنسان أن يتجنب كل ما يكون له فيه ارتياب، وشك؛ لقوله تعالى: {وأدنى ألا ترتابوا}.

ويتفرع على هذه الفائدة: أن دين الإسلام يريد من معتنقيه أن يكونوا دائماً على اطمئنان، وسكون.

ويتفرع أيضاً منها: أن دين الإسلام يحارب ما يكون فيه القلق الفكري، أو النفسي؛ لأن الارتياب يوجب قلق الإنسان، واضطرابه.

ويتفرع عليه أيضاً: أنه ينبغي للإنسان إذا وقع في محلّ قد يستراب منه أن ينفي عن نفسه ذلك؛ وربما يؤيد هذا الأثرُ المشهور: «رحم الله امرئ كفّ الغيبة عن نفسه» (٢)؛ لا تقل: إن الناس يحسنون الظن بي، ولن


(١) أخرجه البخاري ص ٢٢٠، كتاب الوصايا، باب ١: الوصايا، حديث رقم ٢٧٣٨، وأخرجه مسلم ص ٩٦٢، كتاب الوصية، باب ١: وصية الرجل مكتوبة عنده، حديث رقم ٤٢٠٤ [١] ١٦٢٧، واللفظ لمسلم.
(٢) ذكره العجلوني في كتاب "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" بلفظ: "رحم الله امراءاً جب الغيبة عن نفسه" ١/ ٥١٣، حديث رقم ١٣٦٧، ولم يذكر أصلاً لهذا الأثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>