للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: " وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا، أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل، ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال: ٢٩] ".

قال سعيد بن جبير: " ثم خوفهم فقال: {واتقوا الله}، ولا تعصوه فيهما" (١).

أخرج الطبري عن الضحاك قوله: " {ويعلمكم الله}، قال: هذا تعليم علَّمكموه فخذُوا به" (٢).

قوله تعالى: {والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢]، "أي عالم بالمصالح والعواقب فلا يخفى عليه شيء من الأشياء" (٣).

روي عن: "سعيد بن جبير في قول الله: {والله بكل شيء عليم}، يعني: من أعمالكم" (٤).

قال ابن كثير: " أي: هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء، بل علمه محيط بجميع الكائنات" (٥).

قال الراغب: " فإنما قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} حمل في معان مفترقة:

فإن الأول: حث على تقوى الله.

والثاني: تذكير بنعمه.

والثالث: تعظيم له متضمن لوعد ووعيد شديد وفصد عظيم كل واحد من هذه الأحكام، فأعيد لفظ (الله) فيها" (٦).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: العناية بما ذُكر من الأحكام؛ وذلك لتصدير الحكم بالنداء، ثم توجيه النداء إلى المؤمنين؛ لأنه هذا يدل على العناية بهذه الأحكام، وأنها جديرة بالاهتمام بها.

٢ - ومنها: أن التزام هذه الأحكام من مقتضى الإيمان؛ لأنه لا يوجه الخطاب بوصف إلا لمن كان هذا الوصف سبباً لقبوله ذلك الحكمَ.

٣ - ومنها: أن مخالفة هذه الأحكام نقص في الإيمان كأنه قال: {يا أيها الذين آمنوا} لإيمانكم افعلوا كذا؛ فإن لم تفعلوا فإيمانكم ناقص؛ لأن كل من يدَّعي الإيمان، ثم يخالف ما يقتضيه هذا الإيمان فإن دعواه ناقصة إما نقصاً كلياً، أو نقصاً جزئياً.

٤ - ومنها: بيان أن الدين الإسلامي كما يعتني بالعبادات- التي هي معاملة الخالق - فإنه يعتني بالمعاملات الدائرة بين المخلوقين.

٥ - ومنها: دحر أولئك الذين يقولون: إن الإسلام ما هو إلا أعمال خاصة بعبادة الله عز وجل، وبالأحوال الشخصية، كالمواريث، وما أشبهها؛ وأما المعاملات فيجب أن تكون خاضعة للعصر، والحال؛ وعلى هذا فينسلخون من أحكام الإسلام فيما يتعلق بالبيوع، والإجارات وغيرها، إلى الأحكام الوضعية المبنية على الظلم، والجهل.

فإن قال قائل: لهم في ذلك شبهة؛ وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، ورآهم يلقحون الثمار قال: «لو لم تفعلوا لصلح» فخرج شيصاً - أي فاسداً -؛ فمر بهم فقال: «ما لنخلكم؛ قالوا: قلت كذا، وكذا؛ قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم» (٧)؛ قالوا: «والمعاملات من أمور الدنيا، وليست من أمور الآخرة».


(١) أخرجه ابن ابي حاتم (٣٠٣٠): ص ٢/ ٥٦٨.
(٢) تفسير الطبري (٦٤٣٤): ص ٦/ ٩٣.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ١٦١.
(٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٣٠٣١): ص ٢/ ٥٦٨.
(٥) تفسير ابن كثير: ١/ ٧٢٧.
(٦) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٥٩٢.
(٧) أخرجه مسلم ص ١٠٩٣، كتاب الفضائل، باب ٣٨: وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي، حديث رقم ٦١٢٨ [١٤١] ٢٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>