للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﷿، (٤٨).

وقوله: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾، قال ابن عباس: ما ذهب يمينًا ولا شمالًا، ﴿وَمَا طَغَى﴾: ما جاوز ما أمر به.

وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة، فإنه ما فعل إلا ما أمر به، ولا سأل فوق ما أعطى. وما أحسن ما قال الناظم:

رأى جنة المأوى وما فوقها ولو … رأى غيره ما قد رآه لتاها

وقوله: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾، كقوله: ﴿لِنُرِيَهُ [١] مِنْ آيَاتِنَا﴾، أي: الدالة على قدرتنا وعظمتنا. وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع، لأنه قال: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾، ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة "سبحان". و [قد] [٢] قال الإمام أحمد:

حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة، عن الوليد بن قيس، عن إسحاق بن أبي الكَهْتَلَة [٣]- قال محمد: أظنه عن ابن مسعود - أنه قال: إن محمدًا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين، أما مرة فإنه سأله أن يُريه نفسه في صورته، فأراه صورته فسد الأفق. وأما الأخرى فإنه صَعد معه حين صعد به.

وقوله: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾. قال [٤]: فلما أحس [٥] جبريل ربه ﷿ عاد في صورته وسجد، فقوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾، قال: خَلْقَ جبريل (٤٩). هكذا رواه الإمام أحمد وهو غريب.


(٤٨) - تقدم تخريج أحاديث المعراج في أول سورة الإسراء.
(٤٩) - أخرجه أحمد (١/ ٤٠٧) (٣٨٦٤) وفي إسناده إسحاق بن أبي الكهتلة، قال ابن حجر في التعجيل (٢٩): قال البخاري: حديثه في الكوفيين، ولم يذكر فيه جرحًا، وتبعه ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات.