للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينهما؟ قال: "أربعون سنة" وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.

وقد قدمنا ذكر ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار، بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وقال تعالى هاهنا: ﴿أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيئًا﴾، أي: ابنه على اسمي وحدي، ﴿وَطَهِّرْ بَيتِيَ﴾، قال قتادة (٨٣) ومجاهد (٨٤): من الشرك، ﴿لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، أي: اجعله خالصًا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له، فالطائف به معروف، وهو أخص العبادات عند البيت، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها، ﴿الْقَائِمِينَ﴾، أي: في الصلاة؛ ولهذا قال: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، فقرن الطواف بالصلاة؛ لأنهما [١] لا يشرعان إلا مختصين بالبيت، فالطواف عنده، والصلاة إليه في غالب الأحوال، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة، وفي الحرب، وفي النافلة في السفر، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾، أي: ناد في الناس داعيًا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك [٢] ببنائه، فذكر أنه قال: يارب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال [٣]: ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه -وقيل: على الحجر. وقيل: على الصفا. وقيل: على أبي قبيس- وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد [٤] اتخذ بيتًا فحجوه. فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، و [من] [٥] كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك.

هذا مضمون ما روي عن ابن عباس (٨٥).


(٨٣) - أخرجه الطبري في تفسيره (١٧/ ١٤٣) عن قتادة قال: من الشرك وعبادة الأوثان.
(٨٤) - أخرجه الطبري (١٧/ ١٤٣).
(٨٥) - أخرجه الطبري في تفسيره (١٧/ ١٤٤) والحاكم في المستدرك (٢/ ٣٨٩) ومن طريقه البيهقي في السنن، كتاب الحج، باب: دخول مكة بغير إرادة حج وعمرة (٥/ ١٧٦). كلهم من طريق جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: (أذن في الناس بالحج) قال: رب وما يبلغ صوتي؛ قال: أذِّن وعلي البلاغ. فنادى إبراهيم: "أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت=