يقول تعالى مخبرًا [١] عن يوسف ﵇: أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق، وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه، مع ما هو [٢] فيه من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة، ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء فتعرف إليهم، فيقال [٣]: إنه رفع التاج عن جبهته وكان فيها شامة، وقال: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ يعني: كيف فرّقوا يينه وبين أخيه [٤] ﴿إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ أي: إنما حملكم [٥] على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه، كما قال بعض السلف (١٠٢): كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ الآية [٦].
والظاهر - والله أعلم -: أنّ يوسف، ﵇، إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرّتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك والله أعلم، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرّج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ فعند ذلك قالوا. ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾.
وقرأ أبي بن كعب:(أو أنت [٧] يوسف)، وقرأ ابن محيصن: ﴿إنك [لأنت][٨] يوسف﴾ والقراءة المشهورة هي الأولى؛ لأن الاستفهام يدل على الاستعظام، أي أنهم تعجبوا من ذلك أنهم يتردّدون إليه من سنتين وأكثر وهم لا يعرفونه، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ
(١٠٢) - تقدم ذلك عن مجاهد وغير واحد (سورة النساء/آية ١٧).