للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إني لأعلم واللَّه إنكم لتعلمون أني رسول اللَّه"، فقالوا: ما نعلم ذلك، فأنزل اللَّه ﷿: ﴿لكن اللَّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدًا﴾.

وقوله: ﴿إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللَّه قد ضلوا ضلالًا بعيدًا﴾ أي: كفروا في أنفسهم، فلم يتبعوا الحق وسعوا في صد الناس عن اتباعه والاقتداء به، قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه وبعدوا منه بُعدًا عظيمًا شاسعًا.

ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله، الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمه [١] وانتهاك محارمه [٢] بأنه لا يغفر لهم: ﴿ولا ليهديهم طريقًا﴾ أي: سبيلًا إلى الخير، ﴿إلا طريق جهنم﴾ وهذا استثناء منقطع ﴿خالدين فيها أبدًا وكان ذلك على اللَّه يسيرًا﴾.

ثم قال تعالى: ﴿أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرًا لكم﴾ أي: قد جاءكم محمد، صلوات اللَّه وسلامه عليه، بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من اللَّه ﷿ فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه يكن خيرًا لكم.

ثم قال: ﴿وإن تكفروا فإن للَّه ما في السموات والأرض﴾ أي: فهو غني عنكم وعن إيمانكم، ولا يتضرر بكفرانكم؛ كما قال تعالى: ﴿وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعًا فإن اللَّه لغني حميد﴾، وقال هاهنا: ﴿وكان اللَّه عليمًا حكيمًا﴾ أي: بمن يستحق منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحق الغواية فيغويه ﴿حكيمًا﴾ أى: في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.

﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١)

ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا [حد


[١]- في ز: "محارمه".
[٢]- في ز: "مآثمه".