للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد جعَل ذلك من الكُفْر (١)، فإذا ادَّعى الإنسان إلى غير أبيه وهو يَعلَمه، فان ذلك كُفْر، فإنه كُفْر بكم أن تَرغَبوا عن آبائكم.

الثَّاني: أن يَدَّعيَ إلى غير أبيه لفظًا، ولكن لا تَثبُت أحكام البُنوَّة إطلاقًا إلى مَن ادَّعى إليه، فهذا نَقول: إنه خِلاف ما أمَر اللَّه تعالى به، ولكن أهل العِلْم يَقولون: إن الإنسان إذا اشتَهرَ به مع عدَم الالتِفات إلى أحكامه ومُقتَضياته، فإنه جائِزٌ، وذكَروا لذلك مِثل المِقداد بنِ الأسوَدِ -رضي اللَّه عنه-، فإن المِقدادَ ابنَ الأسوَد -رضي اللَّه عنه- ليس أَبوه هو الأسودَ، ولكن الأسودَ كان قد تَبنَّاه (٢) واشتَهَر بهذا، بهذ الكنْيَةِ، واستَمَرَّ عليها حتَّى أَبطَل اللَّه تعالى التَّبَنِّيَ، ولكن بَقِيَ مَشهورًا بذلك، قالوا: فهذا لا يَضُرُّ؛ لأنه انتَفَت عنه أحكام التَّبنِّي ولم يَبقَ إلَّا اللَّفْظ، ومع هذا فإن الأفضَل بلا شكٍّ هو أن يُدعَى إلى أبيه، لكن المُشكِل أن الشيءَ إذا اشتَهَر فوَصَفْته بما اشتَهَر به حصَل بهذا التِباسٌ، الآنَ لو قلنا: عن عبدِ الرحمن بنُ صَخْر أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: كذا وكذا. يُمكِن أن كثيرًا من الناس لا يَدرِي مَن هُو، لكن إذا قلت: عن أَبي هُريرةَ -رضي اللَّه عنه- كلُّنا يَعرِفه.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: في الآية الكريمة دَليل على أن الأعمال تَتَفاضَل عندَ اللَّه تعالى؛ لقوله تعالى: {هُوَ أَقسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} يَعنِي: أبلَغ في العَدْل.

ووجه ذلك: أن هذَا الرجُلَ الدَّعِيَّ كوننا نَنسُبه إلى غير أبيه هو باعتِبار أبيه ظُلْم، إِذْ كيف تَنسبه إلى شخص ما أَتَى مِن صُلْبه، وتَحرِم مَن أَتَى من صُلْبه من


(١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، رقم (٣٥٠٨)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، رقم (٦١)، من حديث أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه-.
(٢) انظر: الاستيعاب (٤/ ١٤٨٠).

<<  <   >  >>