للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: مَشروعية إجلاء مَن في بَقائه ضرَرٌ، ويُؤخَذ ذلك من قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}، وقد ثبَت نحوُ هذا الإجلاءِ في الزاني إذا لم يَكُن محُصَنًا، فإنه يُجلَد مئة جَلدةٍ، ويُغرَّب عن البلَد الذي زنَى فيه لمُدَّة سَنَة، وثَبَت أيضًا الإِجْلاء في قُطَّاع الطريق إذا أَخافوا الناس ولم يَأخُذوا مالًا ولم يَقتُلوا نَفْسًا، فإنهم يُنفَوْن من الأرض، ويُبعَدون، وثبَت الإِجْلاء أيضًا في التَّعزير، فإن عُمرَ بن الخطَّاب -رضي اللَّه عنه- نفَى نَصرَ بنَ الحَجَّاج، وكان رجُلًا وسيمًا حتى إن النساءَ بدَأْنَ يَتَغزَّلْنَ به، يَقول قائِل:

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ

فأَمَره عُمرُ -رضي اللَّه عنه- أن يَحلِق رأسَه حتى لا تَفْتَتِنَ النِّساء به، فلمَّا حَلَق رأسه صِرْنَ يَتَغزَّلن به من وجهٍ آخَرَ بعد الحلْق، فرأى عُمرُ -رضي اللَّه عنه- أن يُنفَى فنَفاه إلى البَصْرة (١)، وكذلك أيضًا نفَى الحُطيْئَةَ (٢).

إِذَنْ: فأَصْل النفي والإبعاد عن الأرض ثابِتٌ في القُرآن، يَعنِي: دلَّ عليه القُرآن، وهو قوله تعالى: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن هذه الأَوْصافَ الثلاثةَ سبَب للَّعْن، وهي: النِّفاق، ومرَض القَلْب، والإِرْجاف؛ لقوله تعالى: {مَلْعُونِينَ} يَعنِي: إذا لم يَنتَهوا فإنهم يَتَّصِفون بهذا الوَصْفِ: {مَلْعُونِينَ}.

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أن المُنافِق إذا أَظهَرَ نِفاقه فإنه يَجوز قَتْله؛ لقَوْله تعالى: {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} هذا إذا لم يَنتَهِ عن أذيَّةِ المُؤمِنين، فإنه يُؤخَذ ويُقتَّل.


(١) أخرجه الخرائطي في اعتلال القلوب رقم (٨٢٦)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٢٢ - ٣٢٣).
(٢) انظر: تاريخ دمشق (٧٢/ ٦٦).

<<  <   >  >>