للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}]، هذا الذي ذكَرَه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ ذُكِرَ عن بعض المُفسِّرين من السَّلَف والخَلَف، لكنه كما قال ابنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: "أَقوالٌ يَنبَغي أن يَضرِب الإنسانُ عنها صَفْحًا" (١)؛ لأنها أقوالٌ باطِلة، لا تَليق بمَقام النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ القِصَّة إذا قرَأَها الإنسان يَتَصوَّر أنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عاشِقًا من العُشَّاق.

وما أَشبَهَ هذه القِصةَ الباطِلةَ بقِصَّة داودَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (٢)، التي ذكَروا فيها: أن داودَ طلَبَ من أحَد جُنوده أن يَتزَوَّج امرأتَه، ولكنه أَبَى، فاحْتَال عليه بحيلة، قال: فأَرسَلَه مع الجيْش لأَجْل أن يُقتَل فيَتزَوَّج امرأتَه! وهل هذا يُمكِن أن يَقَع من نَبيٍّ من أنبياء اللَّه تعالى؟ ! أبدًا، وهذه لو قال قائِل: إنَّها وقَعَت من أحَد السُّوقة من الناس. لقيل: ما أَظلَمَ هذا الرجُلَ! وما أَجهَلَه! فكيف بنَبيٍّ من أنبياء اللَّه تعالى؟

فالرَّسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- هل يُمكِن أن يَتصوَّر أحَدٌ أنه عَشِق هذه المرأةَ؟ ويُلاحَظ الآنَ أن بعض الناس -حتى بعض المُفسِّرين والعِياذُ باللَّه- صار يَتلَفَّظ بهذا اللَّفظِ، يَقول: الرسولُ عَشِق المَرأةَ زينبَ! ولكن هذا قول باطِل، وسيَأتي -إن شاءَ اللَّه تعالى- في الكلام على تَفسير الآية بَيانُ مَعنى الآية، وأن مَعناها ناصِع واضِح.

ولم يَكُن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ قال له: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ"، وأنه أَخفَى حُبَّها؛ وذلك: لأن اللَّه تعالى قال في نفس الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}، فبَيَّن اللَّه تعالى أنه سيُبدِي ما أَخفاه في نَفْسه، لو كان الذي أَخفاه النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في نَفْسه الحُبَّ لكان اللَّه تعالى يُبديه، لكن ما الذي أَبدَى اللَّه تعالى؟ الذي أَبدَى اللَّه تعالى تَزويجه، أنه زوَّجه إيَّاها، فكان الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخفَى


(١) تفسير ابن كثير (٦/ ٣٧٨).
(٢) أخرجها الطبري في تفسيره (٢٠/ ٦٤ - ٦٦)، وانظر: تفسير ابن كثير (٧/ ٥١).

<<  <   >  >>