للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بقول الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "التَّقْوَى هَاهُنَا" (١)، إذا قُلْت: يا أخي، اتَّقِ اللَّه، صَلِّ مع الجَماعة! اتَّقِ اللَّه، دَعْ حَلْق اللِّحْية! اتَّقِ اللَّهَ اتْرُكِ الغِيبةَ! وما أَشبَه ذلك يَقول لك: "التَّقْوَى هَاهُنَا".

وكَيْف يُرَدُّ عليهِ؟

الجَوابُ: أن نَقول له: لوِ اتَّقَى ما هاهنا لاتَّقَى ما هاهنا. يَعنِي: لوِ اتَّقى الباطِن لاتَّقَى الظاهِر، لأنَّ الرَّسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقول: "إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ"، فجعَل الأَمْر جُمْلة شَرْطية، والمَعروف في اللُّغة والعُرْف والشَّرْع أنَّ الجُمْلة الشَّرْطية يَتحَقَّق فيها المَشروط متى تَحقَّق الشَّرْط.

ونَقول: صحيح -ونَحْن معَك- بأنَّ هذا الذَّنْبَ الذي تَعمَله دون الشِّرْك قابِلٌ لأَنْ يَغفِره اللَّه تعالى، ولكن اللَّه تعالى لم يَقُل: ويَغفِر ما دون ذلكَ لكُلِّ أحَدٍ. بل قال تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ} [النجم: ٢٦]، فهل تَشْهَدُ أنك أنتَ ممَّن شاءَ اللَّه أن يَغفِر لهم؟ ! إذَنْ: فأنت على خطَأ، والأصل أن الوَعيد على المَعاصِي ثابِت، لأنَّ رَفْعه تَحت المَشيئة، ووقوعه بمُقتَضى الوَعْد، فالأصْلُ ثُبوته، فلا حُجَّةَ له في هذا.

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} المُطيعات] كان عليه أن يَقول: المُطيعين، ويَصير: والقانِتات مَعروف أنها المُطيعات.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْقَانِتِينَ} القُنوت ليس مُطلَق الطاعة كما يُفهَم من كلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، ولكنه: الطاعة بدَوام وذُلٍّ وسُكون، ويَدُلُّ لذلك قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨]، ولمَّا نزَلَت


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم (٢٥٦٤)، من حديث أبى هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>