للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها ففرق بينهما (١). وكذا روي عن علي وابن عباس وغير واحد من الصحابة .

وقوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ هو أي: الزوج الثاني بعد الدخول بها ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ أي: المرأة والزوج الأول ﴿إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ أي: يتعاشرا بالمعروف [قال مجاهد: إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة] (٢) (٣).

﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ أي: شرائعه وأحكامه ﴿يُبَيِّنُهَا﴾ أي: يوضحها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.

وقد اختلف الأئمة فيما إذا طلَّق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين وتركها حتى انقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر، فدخل بها ثم طلقها فانقضت عدتها، ثم تزوجها الأول، هل تعود إليه ما بقي من الثلاث، كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وهو قول طائفة من الصحابة ، أو يكون الزوج الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق، فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث، كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى، والله أعلم.

﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١)﴾.

هذا أمر من الله ﷿ للرجال، إذا طلق أحدهم المرأة طلاقًا له عليها فيه رجعة، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها، ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يمسكها، أي: يرتجعها إلى عصمة نكاحه، بمعروف وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرحها، أي: يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شنآن ولا مخاصمة ولا تقابح، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾، قال ابن عباس، ومجاهد ومسروق والحسن وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان وغير واحد: كان الرجل يطلق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها، ضرارًا لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة، فنهاهم الله عن ذلك، وتوعدهم عليه، فقال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [أي: بمخالفته أمر الله تعالى (٤)] (٥).


(١) أخرجه البيهقي من طريق ابن لهيعة به (السنن الكبرى ٧/ ٢٠٨).
(٢) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (ح).
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٤) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بأقوال التابعين فقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند لم يصرح باسم شيخه، وقول الربيع بن أنس أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عنه، وقول مقاتل بن حيان أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عنه.