للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعت أبا أمامة قال: قلت: يا رسول الله، ما كان أول بدء أمرك؟ قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام".

والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس، (إبراهيم) (١) . ولم يزل ذكره في الناس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا، وقال: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ] (٢) وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦] ولهذا قال في هذا الحديث: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم".

وقوله: "ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام" قيل: كان منامًا رأته حين حملت به، وقصته على قومها فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئةً. وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلًا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم (٣) إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها. ولهذا جاء في "الصحيحين" (٤): "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". وفي "صحيح البخاري": "وهم بالشام".

قال أبو جعفر الرازي (٥)، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ يعني: أمة محمد . فقيل له: قد استجيبت لك، وهو كائن في آخر الزمان. وكذا قال السدي (٦) وقتادة (٧).

وقوله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ يعني: القرآن: ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ يعني: السنة، قاله الحسن (٨)، وقتادة (٩)، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك وغيرهم. وقيل (١٠): الفهم في الدين. ولا منافاة.

﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ قال علي بن أبي طلحة (١١)، عن ابن عباس: يعني: طاعة الله، والإخلاص.

وقال محمد بن إسحاق (١٢) ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ قال: يعلمهم الخير فيفعلوه. والشر


(١) في (ل): "إبراهيم الخليل".
(٢) من (ن) و (ى).
(٣) يشير إلى حديث النواس بن سمعان وهو حديث طويل فيه خبر الدجال. أخرجه مسلم (٢١٣٧/ ١١١).
(٤) أخرجه البخاري (٦/ ٦٣٢؛ و ١٣/ ٤٤٢).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (١٢٦٥) قال: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني، ثنا آدم، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية. وسنده حسن؛ وأخرجه ابن جرير (٢٠٧٦) بسند ضعيف عن الربيع بن أنس.
(٦) أخرجه ابن جرير (٢٠٧٤) وسنده حسن.
(٧) أخرجه ابن جرير (٢٠٧٥) وسنده صحيح.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (١٢٧٢) وفي إسناده أبو بكر الهذلي وهو ضعيف جدًّا.
(٩) أخرجه ابن جرير (٢٠٧٨) وسنده صحيح.
(١٠) أخرجه ابن جرير (٢٠٨٠) قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى، نا ابن وهب قال: قلت لمالك: ما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتباع له. [وسنده صحيح].
(١١) أخرجه ابن جرير (٢٠٨١) قال: حدثني المثنى بن إبراهيم؛ وابن أبي حاتم (١٢٧٥) قال: حدثنا أبي قالا: ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة. [وسنده ثابت].
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (١٢٧١) ولا بأس بسنده.