للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ أي: ولا يجدون في أنفسهم حسدًا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف والتقديم في الذكر والرتبة.

قال الحسن البصري: ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً﴾ يعني: الحسد (١) ﴿مِمَّا أُوتُوا﴾.

قال قتادة: يعني: فيما أُعطى إخوانهم. وكذا قال ابن زيد (٢).

ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد حيث قال:

حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن أنس قال: كنا جلوسًا مع رسول الله فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله : مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله : مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام رسول الله تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت (٣) أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي [فعلت] (٤) قال: "نعم".

قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أن أحتقر عمله، قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: فهذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق (٥)، ورواه النسائي في اليوم والليلة عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن معمر به (٦)، وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس (٧)، فالله أعلم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ يعني: مما أوتوا المهاجرين، قال: وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم في


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عن الحسن.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) أي: نازعت.
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل بياض.
(٥) سنده صحيح وصححه الحافظ ابن كثير.
(٦) السنن الكبرى، عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا انتبه من منامه (ح ١٠٦٩٩).
(٧) قال الحافظ ابن حجر: وذكر البيهقي في "الشعب": أن شعيبًا رواه عن الزهري، حدثني من لا اتهم، عن أنس .. ورويناه في "مكارم الأخلاق" وفي عدة أمكنة عن عبد الرزاق. وقد ظهر أنه معلول. (النكت الظراف ١/ ٣٩٥).