للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقتلوا وليه، ويذكر ﷿ أنه ما أنزل عليهم وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم، بل الأمر كان أيسر من ذلك. قاله ابن مسعود فيما رواه ابن إسحاق عن بعض أصحابه عنه أنه قال في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨)﴾ أي: ما كاثرناهم بالجموع، الأمر كان أيسر علينا من ذلك ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)﴾ قال: فأهلك الله تعالى ذلك الملك الجبار، وأهلك أهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض فلم يبق منهم باقية (١)، وقيل: ﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ أي: وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم.

وقيل المعنى في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ أي: من رسالة أخرى إليهم، قاله مجاهد وقتادة (٢).

قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)(٣).

قال ابن جرير: والأول أصح؛ لأن الرسالة لا تسمى جندًا (٤).

قال المفسرون: بعث الله تعالى إليهم جبريل ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون عن آخرهم لم تبق بهم روح تتردَّد في جسد، وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلًا من عند المسيح عيسى ابن مريم ، كما نصَّ عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره، وفي ذلك نظر من وجوه:

أحدها: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله ﷿، لا من جهة المسيح كما قال تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)﴾ إلى أن قال: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)[يس]، ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح . والله تعالى أعلم، ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [يس: ١٥].

الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح، ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتَاركة، وهن: القدس لأنها بلد المسيح، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها، والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين، ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأوطده (٥)، ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم، كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم، والله أعلم.


(١) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف بسبب الانقطاع.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) ذكره الطبري بنحوه.
(٥) أي: ثبته.