للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سَمُرة قال: سمعت رسول الله يقول: "لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلًا" ثم تكلم النبي بكلمة خفيت عني، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله فقال: قال: "كلهم من قريش" (١). ورواه البخاري من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير به (٢)، وفي رواية لمسلم: أنه قال ذلك عشية رجم ماعز بن مالك، وذكر معه أحاديث أُخر (٣)، وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلًا وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر، فإن كثيرًا من أولئك لم يكن إليهم من الأمر شيء، فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش يلون فيعدلون، وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة، ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين؛ بل يكون وجودهم في الأمة متتابعًا ومتفرقًا، وقد وجد منهم أربعة على الولاء وهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ، ثم كانت بعدهم فترة، ثم وجد منهم من شاء الله، ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى. ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله ، وكنيته كنيته، يملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا.

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث سعيد بن جهمان، عن سفينة مولى رسول الله أن رسول الله قال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا عضوضًا" (٤).

وقال الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا. . .﴾ الآية، قال: كان النبي وأصحابه بمكة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سرًا، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد بالهجرة إلى المدينة، فقدموها فأمرهم الله بالقتال، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فغيروا بذلك من شاء الله، ثم إن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله : "لن تصبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيه حديدة" وأنزل الله هذه الآية (٥)، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب، فأمنوا ووضعوا السلاح. ثم إن الله تعالى قبض نبيه ، فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا


(١) أخرجه مسلم بسنده ومتنه (الصحيح، الإمارة، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ح ١٨٢١/ ٦).
(٢) صحيح البخاري، الأحكام (ح ٧٢٢٢).
(٣) المصدر قبل السابق (ح ١٨٢٢).
(٤) أخرجه المذكورون بدون لفظ: "عضوضًا" (المسند ٣٦/ ٢٤٨ ح ٢١٩١٩)، وحسنه محققوه، وسنن أبي داود، السنة، باب في الخلفاء (ح ٤٦٤٦)، وسنن الترمذي، الفتن، باب ما جاء في الخلافة (ح ٢٢٢٦)، وأخرجه ابن حبان (الإحسان ١٥/ ٢٤ ح ٦٦٥٧)، وحسنه محققه، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٣/ ٧١)، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر والألباني (ينظر: السلسلة الصحيحة ح ٤٦٠).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع به، وسنده مرسل، ويشهد له ما أخرجه الحاكم من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٠١)، وأخرجه الضياء المقدسي وحسنه محققه (المختارة ٣/ ٣٥٣ ح ١١٤٥).