للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١٢)[الحشر].

وقيل: المعنى في قوله: ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ أي: ليكن أمركم طاعة معروفة؛ أي بالمعروف من غير حلف ولا أقسام، كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف، فكونوا أنتم مثلهم ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي: هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، فالحلف وإظهار الطاعة والباطن بخلافه وإن راجٍ على المخلوق، فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى، لا يروج عليه شيء من التدليس؛ بل هو خبير بضمائر عباده وإن أظهروا خلافها.

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أي: اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله.

وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي: تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ﴾ أي: إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ﴿وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ أي: بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم ﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. . .﴾ الآية [الشورى: ٥٣].

وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾، كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: ٤٠].

وقوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)[الغاشية]. قال وهب بن منبه: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: شعياء: أن قُم في بني إسرائيل، فإني سأطلق لسانك بوحي، فقام فقال: يا سماء اسمعي ويا أرض انصتي، فإن الله يريد أن يقضي شأنًا ويدبر أمرًا هو منفذه، إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة، والآجام (١) في الغيطان (٢)، والأنهار في الصحارى، والنعمة في الفقراء، والملك في الرعاة، ويريد أن يبعث أميًا من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه بشيرًا ونذيرًا، لا يقول الخنا (٣)، أفتح به أعينًا عُميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غُلفًا، وأسدده لكل أمر جميل، وأهب له كل خُلُق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبرّ شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلّم به من الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة (٤)، وأعرف به بعد النكرة، وأكثر به القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة، وأهواء مشتتة، وأستنقذ به فئامًا من الناس عظيمًا من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، موحّدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به رسلي. رواه ابن أبي حاتم (٥).


(١) أي: الشجر الكثيف الملتف (النهاية ١/ ٢٦).
(٢) أي: الأرض المنبتة (الصحاح للجوهري ٣/ ١١٣٧).
(٣) أي: الفحش من القول (النهاية ٢/ ٨٦).
(٤) أي: الخفاء.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد عن وهب، والخبر عليه أمارات الإسرائيليات.