للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومليكه، قال: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾ أي: الذي بعثك وأرسلك من هو، فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يقول خلق لكل شيء زوجه (١).

وقال الضحاك، عن ابن عباس: جعل الإنسان إنسانًا، والحمار حمارًا، والشاة شاة (٢).

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: أعطى كل شيء صورته (٣).

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: سوّى خلق كل دابة (٤).

وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ قال: أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة، ولا للدابة من خلق الكلب، ولا للكلب من خلق الشاة، وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح، وهيأ كل شيء على ذلك، ليس شيء منها يشبه شيئًا من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح (٥).

وقال بعض المفسرين: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾، كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)[الأعلى] أي: قدر قدرًا وهدى الخلائق إليه؛ أي: كتب الأعمال والآجال والأرزاق، ثم الخلائق ماشون على ذلك لا يحيدون عنه ولا يقدر أحد على الخروج منه.

يقول ربنا الذي خلق الخلق وقدَّر القدر وجبل الخليقة على ما أراد

﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١)﴾ أصح الأقوال في معنى ذلك: أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق، وقدر فهدى، شرع يحتج بالقرون الأولى؛ أي: الذين لم يعبدوا الله؛ أي: فما بالهم إذا كان الأمر كذلك لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره، فقال له موسى في جواب ذلك، هم وإن لم يعبدوه فإن علمهم عند الله مضبوط عليهم، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ أي: لا يشذ عنه شيء، ولا يفوته صغير ولا كبير، ولا ينسى شيئًا يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط، وأنه لا ينسى شيئًا، وتقدس وتنزه، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان: أحدهما عدم الإحاطة بالشيء، والآخر: نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك.

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦)﴾.

من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه ﷿ حين سأله فرعون عنه، فقال: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] ثم [اعترض] (٦) الكلام بين ذلك، ثم قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٢) سنده ضعيف؛ لأن الضحاك لم يسمع من ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري من طريق ليث به، وليث فيه مقال، ويتقوى خبره بما يليه.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به.
(٥) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "أعرض".