للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه وعاهدتموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين ﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ وقد فعل رسول الله ذلك والمسلمون. استمر العقد والهدنة مع أهل مكة من ذي القعدة في سنة ست إلى أن نقضت قريش العهد ومالؤوا حلفاءهم، وهم بنو بكر على خزعة أحلاف رسول الله فقتلوهم معهم في الحرم -أيضًا-، فعند ذلك غزاهم رسول الله في رمضان سنة ثمان، ففتح الله عليه البلد الحرام ومكنه من نواصيهم ولله الحمد والمنة، فأطلق من أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم فسموا: الطلقاء، وكانوا قريبًا من ألفين، ومن استمر على كفره وفرّ من رسول الله بعث إليه بالأمان والتسيير في الأرض أربعة أشهر يذهب حيث شاء، ومنهم صفوان بن أُمية وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما، ثم هداهم الله بعد ذلك إلى الإسلام التام، والله المحمود على جميع ما يقدره ويفعله.

﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨)﴾.

يقول تعالى محرضًا للمؤمنين على معاداتهم والتبري منهم ومبينًا أنهم لا يستحقُّون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله تعالى وكفرهم برسول الله ؛ ولأنهم لو ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم لم يبقوا ولم يذروا ولا راقبوا فيهم إلًا ولا ذمَّة.

قال علي بن أبي طلحة وعكرمة والعوفي، عن ابن عباس: الإلّ: القرابة، والذمة: العهد (١). وكذا قال الضحاك والسدي (٢)، كما قال تميم بن مقبل:

أفسد الناس خلوف (٣) خلفوا … اقطعوا الإلَّ وأعراقَ الرحم

وقال حسان بن ثابت :

وجدناهم كاذبًا إلهم … وذو الإلّ والعهد لا يكذب (٤)

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا﴾ [التوبة: ١٠] قال: الله (٥)، وفي رواية لا يرقبون الله ولا غيره (٦).

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن سليمان، عن أبي مِجلز في قوله تعالى: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] مثل قوله جبريل ميكائيل إسرافيل كأنه يقول: لا يرقبون الله (٧)، والقول الأول أظهر وأشهر وعليه الأكثر. وعن مجاهد -أيضًا- الإلّ: العهد (٨).


(١) أخرجه الطبري من الطريقين، وطريق ابن أبي طلحة يقوي طريق العوفي.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) خلوف: جمع خَلْف وهم: بقية السوء والأشرار تخلف من سبقها.
(٤) ذكرهما الطبري في تفسيره ونسب كل بيت إلى قائله.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٧) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وأطول، وسنده صحيح.
(٨) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عيسى هو ابن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.