للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ الآية، قال: فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله سألوه حتى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال: "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم" فأشفق أصحاب رسول الله أن يكون بين يدي أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت يمينًا ولا شمالًا إلا وجدت كلًا لافًا رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعي إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال: "أبوك حذافة". قال: ثم قام عمر - أو قال: فأنشأ عمر - فقال: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا عائذًا بالله - أو قال: أعوذ بالله من شر الفتن - قال: وقال رسول الله : "لم أرَ في الخير والشر كاليوم قط، صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط" (١)، أخرجاه من طريق سعيد (٢).

ورواه معمر عن الزهري، عن أنس بنحو ذلك، أو قريبًا منه. قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدًا أعق منك قط، أكنت تأمن أن تكون أُمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية، فتفضحها على رؤوس الناس؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته (٣).

وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله وهو غضبان، محمار وجهه، حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين أبي؟ قال: "في النار"، فقام آخر فقال: من أبي؟ فقال: "أبوك حذافة"، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، وبالقرآن إمامًا، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ الآية (٤). إسناده جيد.

وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف، منهم أسباط عن السدي أنه قال في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ قال: غضب رسول الله يومًا من الأيام، فقام خطيبًا فقال: "سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة، وكان يطعن فيه، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ فقال: أبوك فلان، فدعاه لأبيه، فقام إليه عمر بن الخطاب، فقبل رجله وقال: يا رسول الله، رضينا بالله ربًا، وبك نبيًا، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، فاعف عنا عفا الله عنك، فلم يزل به حتى رضي فيومئذٍ قال: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" (٥).


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، الفتن، باب التعوذ من الفتن (ح ٧٠٩٠)، وصحيح مسلم، الفضائل، باب توقيره (ح ٢٣٥٩/ ١٣٧).
(٣) صحيح البخاري، الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال (ح ٧٢٩٤).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وجود سنده الحافظ ابن كثير، ولعله بالشواهد المتقدمة في الصحيحين، وفي سنده عبد العزيز وهو ابن أبان الأموي: متروك وكذبه ابن معين (التقريب ص ٣٥٦).
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط به ولكنه مرسل ويشهد له ما تقدم في الصحيحين والحديث التالي.